مهند عبد الله

يعيش لبنان في دوامة سياسية لا أحد يعرف حتى الآن أسبابها، هل هي مقصودة حتى يبقى اللبنانيون مشغولين بهمومهم الاقتصادية والشخصية، ويتفرغ المسؤولون لتحقيق طموحاتهم السياسية على حساب لبنان واللبنانيين؟
أسباب هذا السؤال كثيرة ومتفرعة، وهي لافتة للنظر، وهناك عدة أمثلة على ذلك، ومنها:
معركة الجرود التي خاضها الجيش اللبناني ضد تنظيم داعش الإرهابي، والتي انتهت في وقت قياسي.
هذه المعركة المميزة التي خاضها الجيش اللبناني كان يجب ان تكون فرصة لجمع اللبنانيين حول سلطة الدولة وحول الجيش اللبناني. لكن بفعل فاعل تحول الانتصار الى حالة من التجاذب والعراك السياسي بين اللبنانيين، والقيادات السياسية بعد الدعوة الى فتح تحقيق في خطف العسكريين في عام 2014، ومحاولة تحميل الرئيس تمام سلام المسؤولية عن استشهاد العسكريين، وهو ما أدخل البلاد في صراع سياسي وطائفي حول موضوع جامع، هو الانتصار على الإرهاب في لبنان، وقد أدى هذا الخلاف في آخر تجلياته الى إلغاء احتفال الانتصار الذي دعت وزارتا الدفاع والسياحة الى اقامته تكريماً للجيش اللبناني في وسط بيروت، وقيل في أسباب الإلغاء انه حصل لأسباب لوجستية، وذكر آخرون أنه لأسباب مالية، بينما أكد أكثر من طرف ان إلغاء الاحتفال جاء بسبب الخلاف بين الرؤساء بسبب الدعوة الى فتح تحقيق في ما جرى في عام 2014.
مثال آخر على حالة الفوضى التي يعيشها لبنان هو قانون الانتخاب الذي أقرّ هذا العام بعد همروجة سياسية كبيرة.
بعد إقرار قانون الانتخاب القائم على النسبية مع الصوت التفضيلي وإعادة تقسيم الدوائر الانتخابية بما يخدم الحسابات السياسية والانتخابية للزعماء السياسيين، يدور خلاف كبير بين القوى السياسية حول تشكيل هيئة الإشراف على الانتخابات والمفترض صدور مرسوم تشكيلها قبل 17 أيلول الجاري.
وأسباب الخلاف بين اللجنة الوزارية المكلفة بحث كيفية تطبيق قانون الانتخاب هو عدم التوافق على موضوع التسجيل المسبق للناخبين الراغبين في التصويت في أماكن سكنهم وليس في مكان اقتراعهم.
ففيما يعارض التيار الوطني الحر وتيار المستقبل التسجيل المسبق للانتخابات، يتمسك بها كل من حركة أمل و«حزب الله» والقوات اللبنانية، ووصل الخلاف بين أعضاء اللجنة الوزارية حول الموضوع الى أن قال الرئيس بري: «لا أقبل إلا بالتسجيل المسبق، وهذا ليس مصلحة لأحد معين، بل طريقة لتنظيم الانتخابات. ولن أقبل بإلغائه حتى لو طارت الانتخابات برمتها».
والانتخابات النيابية قد تطير، ومعظم اللبنانيين لم يفهم أصلاً قانون الانتخاب الجديد، ولا يعلم أسباب الخلاف بين اللجنة الوزارية المكلفة البحث في كيفية تطبيق قانون الانتخاب.
مثل آخر للفوضى التشريعية التي تعصف بالدولة اللبنانية، وهو قانون سلسلة الرتب والرواتب الذي أقر أخيراً، وبعد إقراره تنبه أصحابه إلى ان هناك ثغرات قانونية كثيرة فيه يجب إصلاحها، وزاد الطين بلة الطعن الذي تقدم به عشرة نواب بمبادرة من حزب الكتائب الى المجلس الدستوري بقانون الضرائب الذي يؤمن التمويل اللازم للسلسلة، وهو ما أوقع الحكومة في «حيص بيص» كما يقال، فأعلن الرئيس الحريري إذا لم يقر قانون الضرائب سلسلة، والحبل على الجرار.
باختصار، التسوية السياسية التي أثمرت توافقاً حول انتخابات رئاسة الجمهورية والحكومة وتقاسم كل شيء في الدولة بدأت نتائجها بالظهور، وللأسف على ظهور اللبنانيين. فهل هكذا تبنى الأوطان؟