بقلم: أيمن حجازي

هدأت الساحة اللبنانية واتخذ الجميع لأنفسهم قسطاً من الراحة بعد الانتهاء من اقرار القانون الانتخابي الذي طال الإعداد له نتيجة تضارب المصالح وتناقضها بين أفرقاء هذه الساحة المزدحمة بالتنوع الطائفي والسياسي على حد سواء. وعلى الرغم من مبادرة رئيس الجمهورية ميشال عون إلى دعوة القوى السياسية الممثلة بالحكومة الحالية، فإن الأطراف السياسية باتت معنية بالتهيئة والتحضير لخوض المنازلات الانتخابية القادمة بعد أحد عشر شهراً، ما يتطلب ذلك من نسج تحالفات وصياغة اتفاقات وترتيبات متشعبة تتطلبها الانتخابات القادمة، ويأتي في طليعتها تفحص القانون الانتخابي واستيعابه وفهمه ومن ثم الاعداد لتلقينه للماكينات الانتخابية لاحقاً.
وقد برزت في الأيام الأخيرة محاولات لترميم العلاقات المتصدعة تحت وطأة ما جرى في فترات التحضير للانتخابات الرئاسية ولإقرار القانون الانتخابي في الحكومة وفي المجلس النيابي، التي كان أبرزها التصدعات التي أصابت  العلاقات  بين حركة أمل والتيار الوطني الحر، وبين التيار الوطني الحر وتيار المردة وكذلك الأمر بين تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي, وبين حزب الكتائب وعدد من القوى الممثلة في الحكومة الحالية. وكان لافتاً المنحى الإيجابي  الذي اتخذه موقف الرئيس نبيه بري من رئيس الجمهورية وتوصيفه للعلاقة بينه وبين الرئيس ميشال عون بأنها «علاقة اتفاق وتطابق وأكثر من انسجام». ولا يخفى على أحد أن «حزب الله» الحليف المشترك بين حركة أمل والتيار الوطني الحر لديه ورشة دائمة للملة صفوف معسكر الثامن من آذار، خصوصاً بين الرئيسين عون وبري والنائب سليمان فرنجية. هذا في الوقت الذي برزت  فيه مقولة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، أن تحالفات معسكري الرابع عشر والثامن من آذار لم تمت, ما اعتبر اشارة واضحة وجلية إلى وجود نية لدى جعجع لتفعيل العلاقات مع الحزب التقدمي الاشتراكي ومع «تيار المستقبل» بعدما برزت عقبات وصعوبات شتى في وجه قيام تحالف انتخابي شامل بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر في مختلف الدوائر الانتخابية.  وتبرز الحاجة القواتية إلى الحزب التقدمي الاشتراكي في الشوف حيث مقعد النائب جورج عدوان في مقابل الحاجة الجنبلاطية إلى القوات في ما يتصل بالمقعد الدرزي في  دائرة بعبدا.
ولعل الفترة التي تفصلنا عن الانتخابات المقررة في شهر أيار المقبل لا تسمح بالغوص في تفاصيل التحالفات التي يمكن أن تقوم لأن المستجدات السياسية في لبنان والمنطقة قد تؤثر سلباً أو ايجاباً في ولادة وتكوين واندفاعة هذه التحالفات التي لابدّ منها. وهي تحالفات قائمة بطبيعة الحال داخل الطوائف وخارجها وقد تخرج في بعض الأحيان عن التحالفات السياسية السابقة  (8 و14 آذار) أو المستجدة  («اعلان معراب» للتفاهم بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر). كذلك قد تتأثر هذه التحالفات تأثراً مباشراً بحجم الدوائر الانتخابية وطبيعة تكوينها الطائفي والمذهبي... علماً أن  التفاوت في أحجام الدوائر الانتخابية حقيقة قائمة وهو تفاوت متدرج من دائرة صيدا - جزين (خمس مقاعد نيابية)  وهي أصغر دائرة انتخابية, إلى دائرة الشوف - عاليه المجاورة التي تمثل أكبر الدوائر الانتخابية (13 مقعداً نيابياً). فهل تنجح محاولات تغليب التحالفات السياسية  السابقة على التحالفات الانتخابية التي تتحكم بها المصالح الانتخابية الصرفة, أم اننا مقبلون على مرحلة جديدة تبهت فيها الخيارات السياسية الكبرى لتحل محلها اعتبارات ومعايير أخرى لا تخلو من المنافع  الحزبية والزعامية الخالصة التي تزدهر بها المواسم الانتخابية وتحلو بها الأمنيات العابرة في عالم السياسة اللبنانية... ولا شك في أن دهاقنة السياسة في لبنان جديرون في تحقيق المصالح واكتساب المنافع على الدوام.>