العدد 1435 / 4-11-2020

لا يستطيع سعد الحريري أن يحيك قماشة الحكومة بشكل منفرد ، حتى لو كان الرئيس الفرنسي متفرغا لدعمه وتحصين موقعه ومساعدته في تذليل العقبات . والحريري لا يستطيع أيضا أن يستند الى الشارع والحراك والثورة والنهضة الشعبية المفقودة ﻷسباب شتى ... ﻷنه لن يكون بمقدور الجماهير الغفورة في تعلبايا والناعمة والجية وطرابلس و... و... أن تمد الرجل بأسباب القوة ... ﻷنها حراك من لون واحد يفقد فاعليته ويدخله في معضلة مذهبية يتجنبها الحريري حتما . فهو يطمح الى العودة الى السراي الكبير بحد أدني من المطالب الشعبية التي كانت ساخنة ومتمحورة حول مقولة حكومة اختصاصيين حياديين . وقد أضيف الى كل ذلك شرط أن يكونالوزراء غير حزبيين . ويعتقد البعض أن مقولة الوزراء غير الحزبيين جاءت لتغطية عودة الحريري الى تمثيل القوى السياسية في الحكومة المقبلة من خلال السماح للقوى السياسية الرئيسية بتسمية هؤلاء الوزراء غير الحزبيين .

المواطن اللبناني قد يعتقد بأن جميع القادة والساسة اللبنانيين إيتداء من القصور الثلاثة في بعبدا وعين التينة وبيت الوسط ، ومرورا بكل القوى السياسية الفاعلة ، بإنها ليست آبهة بحراجة الوضع اللبناني المتهالك الذي ينضح ألما شعبيا مرعبا في كافة تجلياته اﻹقتصادية واﻹجتماعية والحياتية والصحية والمالية و ... و ... وأعصاب هذه الجهات السياسية متينة ، وهي قادرة على مواجهة كل دواعي الخجل من الشارع والقاطنين فيه من فقراء ومعدمين ومشردين ومهددين بالسقوط على أبواب المستشفيات الكورانية وغير الكورانية .

بين ال18 وزيرا وال20 وزيرا تكمن إحدى قنوات السجال الصامت بين المتواصلين حتما . حيث بات التواصل البديهي بين الرئاستين الأولى والثالثة مكرمة إيجابية ينبغي إمتداحها والتوقف عندها ، وذلك تحت وطأة القطيعة التي فرضها رئيس الحكومة المعتذر مصطفى أديب عبد الواحد على العلاقة مع قصر بعبدا فلاذ أديب بالصمت واعتكف بعيدا عن بعبدا إستنادا الى التبني الفرنسي الجائح والى النصائح المتشددة الصادرة عن نادي رؤساء الحكومة السابقين ( الحريري ، السنيورة ، ميقاتي وسلام ) . هذه النصائح المتشددة قفز عليها كلها الرئيس الحريري بعد تكليفه وقد عاد الى اﻹنفتاح والتواصل مع الرئيس ميشال عون في كل ما يتصل بالتشكيل الحكومي ، مع إبقاء المشكلةقائمة مع جبران باسيل الذي يتابع من خلف الكواليس مواقف الرئيس عون في كل ما يتصل بالحصة الوزارية المسيحية فضلا عن الحصة الدرزية التي يجب أن تحفظ فيها نصيب الحليف طلال أرسلان حتى لو كان لا يملك في حلبة التمثيل النيابي الثماني الدرزي إلا مقعده النيابي الوحيد .

وللمفارقة ، وحدها العلاقة بين الحريري وثنائي أمل - حزب الله تبدو سهلة و ميسرة ومحكومة بالتفهم المتبادل بين الجانبين ، خصوصا بعد حسم مسألة وزارة المالية وملكيتها العرفية التي تصطبغ بلون إشكالي متأرجح . ولا يخفى على أحد طبيعة الدور اﻹيجابي الذي يقوم به هذا الثنائي السياسي - الطائفي - المذهبي على مستوي تذليل العقبات ما بين الحريري وجبهة قصر بعبدا - ميرنا الشالوحي . وكذلك الأمر بالنسبةالى حلفاء هذا الثنائي اﻵخرين الذين تم ضبطهم إن لم يكن دفعهم وتشجيعهم نحو ترشيح الشيخ سعد الحريري لتولي رئاسة الحكومة . رغم أننا لا يمكننا الحديث عن صفاء ونقاء في علاقات الثنائي مع بيت الوسط . إلا أن السؤال الأهم على هذا الصعيد يدور حول مصير التشكيل الحكومي المناط بالرئيس الحريري الذي أكد منعلى الشراكة في هذا الموضوع مع الرئيس عون ... والرئيس عون فقط دون الوكلاء من أمثال جبران باسيل الذي باتت " صوفته "حمراء ليست عند الحريري فقط بل حتى عند الكثير من الحلفاء الخلص للرئيس عون وتياره الوطني الحر . وهنا بات بعض المعنيين بالتشكيل الحكومي لا يصدقون مقولة إعتزال جبران باسيل لهذا الموضوع السياسي المركزي ، وهم يتهمونه بإدارة لعبة العراقيل من خلف الستارة . أما الهم الشعبي الكبير الذي يجتاح الناس في نواديهم ومنازلهم وعقولهم ، فهو سؤال الفرج ... حتى ولو كان الفرج الجزئي الذي يعيد الدورة السياسية واﻹقتصادية والحياتية الى شيء من طبيعتها السابقة . لقد صار الناس حلمون بنزول الدولار الى حدود الخمسة آلاف ليرة بفعل ولادة مفترضة لحكومة الحريري الموعودة ... لعل اﻷسعار تهبط من عليائها ، ويتباطئ اﻹنهيار المتسارع ويوجد في البلد من يلملم الجراح ولو عن طريق الكلام والمعنويات والعواطف الفارغة من المفاعيل...

ايمن حجازي