العدد 1423 / 29-7-2020
ايمن حجازي

يستمر التصدع في البنية اللبنانية زاحفا في مفاعيله السياسية والإقتصادية كافة ، وبعد أن تباعدت القوى السياسية وكرست إنقسامها من خلال بقاء قوى الرابع عشر من أذار خارج الحكومة الحالية بدأت ملامح التباين تظهر حتى داخل هذه الحكومة التي تشكلت من قوى سياسية منسجمة تنتمي الى معسكر الثامن من Nذار . وقد ظهر جلياً في جلسة الحكومة الأخيرة الخطابين المتباعدhن للرئيسين ميشال عون وحسان دياب حول زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان . ففي حين رحب الرئيس عون بزيارة الوزير الفرنسي الذي نقل عنه الإشادة بالتحقيق الجنائي المالي في مصرف لبنان ، اعتبر رئيس الحكومة حسان دياب أن تلك الزيارة لم تأت بجديد وأن لدى وزير الخارجية الفرنسي نقص في المعلومات " لناحية مسيرة الإصلاحات الحكومية"، معتبراً أن "ربطه أي مساعدة للبنان بتحقيق إصلاحات وضرورة المرور عبر صندوق النقد الدولي يؤكد أن القرار الدولي هو عدم مساعدة لبنان حتى الآن".

لم يقف التباين بين الرئيسين عون ودياب عند هذا الحد بل تجاوزه الى طريقة مقاربة مشكلة المازوت في البلد . فوفق دياب ان البلد غارق بكميات المازوت المتوافرة والمفقودة بسبب جشع التجار وطمعهم . وكأنه يقول أنه في هذه الحكومة يفتقد الأداة التنفيذية التي تخوله فرض معالجات معينة لا بد من اللجوء إليها في مثل قضية المازوت أو احتكار بعض السلع الغذائية ورفع أسعارها بشكل جنوني، وبالتالي إحباط مشروع السلة الغذائية الذي دعا له وزير الإقتصاد راؤول نعمة ورحب به الرئيس دياب . وكانت المرة الأولى التي تتظهر فيها هذه التباينات الرئاسية في إشارة واضحة تبين عزم الرئيس دياب عدم السكوت على الاصوات التي انطلقت من التيار الوطني الحر متهمة الحكومة بالتلكؤ والتباطؤ وعدم المبادرة . وتضيف أوساط الرئيس دياب أنه من غير المقبول بعد اليوم سماع أصوات النشاز تلك وكأن التيار الوطني الحر حزب معارض وليس حزب الأكثرية على مائدة مجلس الوزراء . ويبدو ان الرئيس دياب قد أخذ قراره الحازم على عدم السكوت على ما يتعرض له من طعنات في الظهر ممن يفترض بهم حمايته ورد الهجمات عنه . وقد أظهرت تصريحات دياب الأخيرة أنه غير قابل للخضوع لأي إبتزاز من مثل التلويح بخيارات أخرى في رئاسة الحكومة التي يعلم رئيسها أن التيار الوطني الحر على وجه التحديد سيكون من أكثر الأطراف السياسية حرجا في حال اضطر الى الدخول في نفق البحث عن إسم جديد لرئيس الحكومة . اللهم إلا إذا جبران باسيل مستعد للرضوخ الى شروط الرئيس سعد الحريري في العودة الى سدة الرئاسة الثالثة مع ما يكتنف ذلك من تعقيدات كثيرة ومتعددة المصادر .

ليس التصدع هو المشار إليه على مستوى التباين الرئاسي بين عون ودياب ، ولكنه نوع من التحلل السياسي الذي يصيب بنية التحالف السياسي المكون للحكومة اللبنانية الحالية . وهو تحالف مميز يصف نفسه بالإرتكاز الى قضايا استراتيجية كبرى متصلة بالصراع العربي الإسرائيلي . ومتصلة أيضا بمشاريع إصلاحية طموحة على المستوى اللبناني الداخلي.

يخشى البعض في لبنان من أن يتعمق هذا التحلل السياسي بين الحلفاء ، ويتحول الى تفكك في الخارطة اللبنانية مدعم بأحاديث البعض عن فيدرالية ملائمة للوضع اللبناني ومشفوعة بحملات ودعوات المرجعية الدينية المارونية الى الحياد أو الحياد الإيجابي او الحياد المتفاعل او ... أو ... ونحن نتقن دوما فن إنتاج المصطلحات التي تخبئ بعض الحقائق أو تخفيها .