أيمن حجازي

الفيديو المسرب الذي نطق فيه جبران باسيل بكلمات مثيرة، لم يكن اﻻ رأس جبل جليد الخلافات بين الرئيسين نبيه بري وميشال عون، وهو جبل عمره من عمر اتفاق الطائف، إذ يتضمن هذا التاريخ عرضاً تفصيلياً لموقف رئيس الحكومة العسكرية التي شكِّلَت في ربع الساعة اﻷخير من عهد الرئيس أمين الجميل في الثالث والعشرين من أيلول عام 1988، من اتفاق الطائف، وذلك حين اعترض الجنرال عون على ذهاب النواب الى المملكة العربية السعودية في خريف عام 1989 وفي أعقاب حرب التحرير التي استمرت قرابة ستة أشهر. حينها عمدت الحكومة العسكرية المطعون في شرعيتها الى حل المجلس النيابي كي تنتزع من النواب القدرة على شرعنة أي اتفاق سياسي يجري التوصل اليه في مدينة الطائف.
وتبرز هذه الرؤية عند كل خلاف يقع بين عون وبري استناداً الى مقوﻻت عونية ترى أن حقوقاً للمسيحيين قد هضمت وتناتشتها الطائفتان السنّية والشيعية، وأن أبرز مظاهر هذا الهضم هو تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية الماروني وتعزيز صلاحيات رئيسي المجلس النيابي والحكومة. وكان أكثر ما استفز الرئيس نبيه بري بعد عودة الجنرال عون من الخارج وخلال أول زيارة له لجزين عندما قيل إن مقاعد جزين النيابية يجب أن تحرر وتستعاد، في غمز واضح من قناة رئيس المجلس النيابي الذي كان يتحكم باختيار أصحاب المقاعد النيابية الخمسة في الجنوب، وتحديداً بمقاعد جزين الثلاثة، في مقابل اعتبار الرئيس نبيه بري ومعظم الساسة السنّة والشيعة أن الطائف أزال جزءاً يسيراً من الغبن اللاحق بالطوائف الإسلامية، وأن الصلاحيات التي منحت لرئيس الجمهورية منذ الاستقلال، صلاحيات شبه مطلقة، وهي لملك غير متوج، وأن الطائفة المارونية الى جانب نيلها رئاسة الجمهورية كانت تستحوذ على مواقع سلطوية هامة، فضلاَ عن التفاوت الكبير في تقسيم أعضاء المجلس النيابي آنذاك البالغ عددهم 99 نائباً ينال منهم المسلمون 45 مقعداً نيابياً وينال المسيحيون 54 مقعداً.
 وفي رد علمي عددي على كل شكاوى التيار العوني من اﻷوضاع اﻻنتخابية التي يقال إنها تحمل في طياتها ظلماً للمسيحيين يبدو ﻻفتاً المشهد الآتي: 
فإذا أخذنا ناخبي بيروت نموذجاً فإننا نصبح وفق لوائح شطب 2005 أمام:
- 59 بالمئة من الناخبين لهم تسعة مقاعد نيابية وذنبهم اﻷكبر أنهم مسلمون.
 - في مقابل 41 بالمئة من الناخبين يحظون بعشرة مقاعد نيابية وامتيازهم اﻷكبر أنهم مسيحيون. 
وفي دائرة صيدا - جزين نجد وفق لوائح الشطب الصادرة في آذار 2017: أن 72 ألف ناخب مسلم يمثلهم نائبان فقط، وأن 48 الف ناخب مسيحي يمثلهم ثلاثة نواب. وفي هذه الدائرة نجد أن نحو عشرة آﻻف كاثوليكي يمثلهم نائب واحد، فيما يحرم 19 ألف ناخب شيعي أي تمثيل نيابي.
ويستمر هذا التفاوت المجحف في ظل اصرار الساسة المسلمين على عدم المساس بالمناصفة الظالمة التي تولد مثل هذا الاختلال في التمثيل النيابي.
 صحيح أن بين حركة أمل والتيار الوطني الحر تجاذبات وصراعات على اﻻمساك ببعض مفاصل الإدارة اللبنانية، لكن عمق المشكلة أن التيار الوطني الحر يظن أنه قادم الى رئاسة الجمهورية كي يستعيد الصلاحيات المفقودة ،في مقابل اعتقاد حركة أمل وقوى وطوائف أخرى أنهما تدافع وتنافح عن بعض حقوقها التي نالتها في الطائف. باختصار، يمكن القول إن حركة أمل والقوى والطوائف المشار اليها تعتقد أنها تواجه انقلاباً جديداً ومتجدداً على الطائف.