العدد 1349 / 13-2-2019
أيمن حجازي

رجل التوازنات الكبرى في الدولة اللبنانية هو رئيس المجلس النيابي نبيه بري ، الذي كان قادرا على الدوام على سلوك طرق انسيابية فاعلة في كل الأزمات التي واجهت البلد خلال ترؤسة للسلطة التشريعية في لبنان . فعلى الرغم من كونه الحليف التاريخي الأول لسوريا ، فانه كان قادرا على مواجهة إعصار الرابع عشر من شباط ٢٠٠٥ بحذاقة جعلته محط إجماع كافة الفرقاء على دوره وموقعه التقاطعي الذي لم يمنعه من الانحياز الى أحد المعسكرين السياسيين للذين تواجها منذ ذلك التاريخ وحتى هذه الساعة ، ألا وهو معسكر الثامن من أذار ...

وقد حمل بري صفة الحليف الرئيسي لسوريا في لبنان منذ الحرب الأهلية التي كانت ٦شباط ١٩٨٤ إحدى محطاتها الكبرى ، و قد ساهمت هذه المحطة في وضع حد لهيمنة أعداء سوريا في لبنان الذين سيطروا على البلد إبتداء من شهر حزيران ١٩٨٢ . كما أن دور الرئيس نبيه بري في حرب المخيمات التي وقعت على الأرض اللبنانية بين عامي ١٩٨٥ و١٩٨٨ بالإضافة الى حرب أمل - حزب الله بين عامي ١٩٨٨ و ١٩٩١ جعلت من الرجل منفذا للإرادة السورية وفق إتهامات الكثير من خصومه السابقين وحلفائه الحاليين . مع ملاحظة أن الرئيس بري وحركة أمل يعتبران أن لديهما الكثير من الإعتبارات التي فرضت هذه الحروب بمعزل عن المصلحة السورية في نشوبها . وكانت مرحلة ما بعد اتفاق الطائف التي امتدت على تسعينات القرن الماضي تكريسا للعلاقة الوثيقة التي ربطت بين بري ودمشق التي وقفت الى جانبه في كثير من المناسبات والتي كانت فيها كفة الرئيس بري ترجح على من عداه من الرؤساء ومن مواقع السلطة الأخرى ومن حزب الله أيضا . وفي نظر البعض أن تاريخية العلاقة بين بري ودمشق لا تنسجم مع "برودة" علاقته الحالية معها ابتداء من عام ٢٠٠٥ وحتى هذه الساعة ، حيث لوحظ غياب أي لقاء علني بين الرئيس بري والرئيس السوري بشار الأسد , أو أي من وزرائه أو معاونيه على إمتداد السنوات الأربع عشرة الماضية .

لم يكن الرئيس بري انسيابيا بين دمشق وخصومها في مرحلة ما بعد عام ٢٠٠٥ وحسب ، بل انه أتقن هذه المرونة في الإطلالة على الساحة المسيحية في هذا الخضم وكان دفئه الديبلوماسي يصل الى بكركي والى البطريرك السابق نصر الله صفير المعروف بمواقفه السلبية من السياسة السورية في لبنان . بالإضافة الى من يقف عن يمين البطريرك صفير أو عن يساره من التلوينة المسيحية المزركشة . وامتدت هذه الانسيابية الى حدود التوفيق المحكم في العلاقة التوفيقية بين "حزب الله" والرئيس سعد الحريري وبين حزب الله ورئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط , وحتى بين الحريري وجنبلاط كما حصل منذ أسبوعين .الإستثناء الوحيد الذي حصل هنا كان مع التيار الوطني الحر والرئيس ميشال عون الذي لم يوافق بري على دعمه في الإنتخابات الرئاسية في خريف عام ٢٠١٦ نظرا للإنفراد التسووي الذي حصل بين الحريري وعون بعيدا عن سلة بري الشهيرة والتي تم إهمالها في تلك التسوية العونية - الحريرية . وكذلك الأمر فان دعم الرئيس بري لحليفه السابق وليد جنبلاط وتحديدا في مطالبه المتعلقة بالمقاعد الوزارية في الحكومة الحالية قد عكرت أجواء العلاقة بين الرئيس بري والأمير طلال ارسلان في الآونة الأخيرة .

هل من إمكانية لاستمرار انسيابية الرئيس بري في المرحلة المقبلة ؟

سؤال كبير تعاكسه بعض المستجدات والتي كان آخرها الدور الذي لعبه بري قبيل انعقاد القمة العربية الإقتصادية في بيروت أواخر الشهر الماضي . وقد وضع البعض هذا الدور المستجد لبري في خانة محاولة تصحيح العلاقة مع دمشق أو بالأحرى إعادة تظهيرها بالنسبة للذين يعتقدون أن العاصمة السورية تتفهم تماما الدور السياسي اللبناني لبري وهي تثق به وبمتانة تحالفه وإنسجامه مع "حزب الله" وطهران حليفي سوريا في لبنان وللذين يساهمان اسهاما واضحا في هذا التفهم الدمشقي لدور الرئيس بري . وقد تكون الحملة السياسية التي بات حزب الله معنيا باطلاقها تحت عنوان محاربة الفساد من المستجدات السلبية التي قد تضر بالإنسيابية المشار اليها . وكأن مشهد الرئيس بري في جلسة الثقة بين النائب جميل السيد ووزير المالية علي حسن خليل قد أصاب إدارة الرئيس بري وانسيابيته المعهودة بشيء من الركاكة والضعف "لا سمح الله" .

ايمن حجازي