أيمن حجازي

انها التسوية المتجددة التي انطلقت من جديد عبر البيان الصادر عن مجلس الوزراء يوم الثلاثاء الماضي في الخامس من كانون اﻷول الجاري، الذي تلاه الرئيس سعد الدين الحريري على مسامع اللبنانيين وعلى مرأى من المحتشدين في باريس 4 بعد هذا التاريخ ببضعة أيام. وهي التسوية التي ﻻ ترضي المملكة العربية السعودية، فقررت الصمت على مضض تحت وطأة الموقف اﻷوروبي واﻷمريكي الداعم لهذه التسوية المتجددة التي يشارك في دعمها بعض العرب وفي مقدمهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وبعض حلفائه العرب. 
وهي تسوية لجمت ما كان يفترض أن يشكل انتفاضة أو قلب للطاولة في وجه «حزب الله» والنفوذ الإيراني في لبنان، وفق ما أراد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وفريق عمله المكلَّف متابعة الملف اللبناني، وفي مقدمه الوزير السعودي ثامر السبهان الذي غاب عن اﻷضواء الإعلامية منذ خروج الرئيس سعد الحريري من العاصمة السعودية الرياض وتوجه إلى العاصمة الفرنسية باريس في طريق عودته إلى بيروت مروراً بالقاهرة. وقد برزت في هذه اﻷثناء ملامح انقلاب واضحة كانت تجري في عزّ اﻷزمة الحريرية اﻷخيرة، من داخل العائلة ومن داخل تيار المستقبل ومن داخل ما بقي من معسكر الرابع عشر من آذار. وكان الرئيس الحريري في هذا الخضم مصراً على استكمال اﻻنخراط في التسوية التي صاغها بالتعاون مع التيار الوطني الحر منذ أكثر من سنة. وقد أكدت الوقائع التي حدثت خلال العام المنصرم ثبات الرئيس الحريري على خياره التسووي المشار إليه. وقد ناضل نضاﻻً مريراً من أجل حماية هذا الخيار وصيانته في مجلس الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز وفي مجلس ولي عهده وولده محمد بن سلمان وفي حضرة الوزير السبهان. وكان جديراً بالدعم الذي تلقاه من باريس في بداية اﻷزمة، وبالدعم الحاسم الذي صدر ﻻحقاً من واشنطن.
ويبدو واضحاً أن الرئيس الحريري قد تكامل في موقفه السياسي مع الرئيسين ميشال عون ونبيه بري، وتناغم مع «حزب الله» والتيار الوطني الحر والحزب التقدمي اﻻشتراكي والنائب سليمان فرنجية وباقي القوى المنخرطة في الحكومة المعوّمة. ولم يشذ عن هذه القاعدة إﻻ حزب القوات اللبنانية الذي وقعت معه اشكالية سعى البعض إلى تضخيمها من جراء حماسة ذلك الحزب لمضمون بيان اﻻستقالة الشهيرة (في 4 تشرين الثاني الماضي).
وقد حصل التكامل مع الرئيس الحريري والتناغم معه من قبل اﻷفرقاء المشار إليهم في ظل خشية متنوعة ومتشعبة من التداعيات المفترضة، ليس لغياب الحريري عن رئاسة الحكومة وحسب، بل للمضاعفات السلبية التي قد تصيب الزعامة الإسلامية السنّية في لبنان من جراء إطاحة التوجه التسووي الذي انحاز اليه سعد الحريري منذ أكثر من عام من الزمن، وقدم من أجله الكثير مما سمي تضحيات وتنازﻻت. 
وفي تبسيط مميز للمعضلة التي ولّدت أزمة استقالة الحريري، ومن ثم تريثه، ومن ثم عودته عن اﻻستقالة التي شكر عليها، يقول البعض إن المعركة في سوريا بوجهها العسكري شبه منتهية وإن الذي حسم المعركة هناك هو سلاح الجو الروسي، وهو ما جرى تجاوزه في إطار العلاقات الروسية السعودية الدافئة. أما الوضع في اليمن، فإنه يخلو من تدخل عسكري مباشر لحزب الله... وجل ما في اﻷمر كان إنزعاجاً سعودياً من اللهجة الإعلامية العالية التي كان يستخدمها «حزب الله» في الموضوع اليمني ليس إﻻ. وليصبح في نهاية المطاف النأي بالنفس غير مستحيل في ظل البراغماتية السعودية القائمة.