العدد 1478 /15-9-2021

نجح نجيب ميقاتي في التأكيد على أن المهارة السياسية تتقدم على القوة السياسية في كثير من الأحيان . فأثبت ان أناته وهدوءه وعلاقاته الخارجية اليقظة ، عوامل قادته الى النجاح في مهمته العسيرة . وهي عوامل تقدمت على القوة السياسية التي يتمتع بها تيار المستقبل والرئيس سعد الحريري في الساحة السنية اللبنانية ، وعلى القوة السياسية التي يتمتع بها التيار الوطني الحر وجبران باسيل في الساحة المسيحية اللبنانية . هل في ذلك التقييم مبالغة ما دفعتنا اليها بعض العواطف ؟ أم أن هذا التقييم يستند الى اعتبارات موضوعية قائمة ؟

لقد تمكن نجيب ميقاتي من ترميم صورته التي تلطخت بتهم شتى عندما رضي بان يخلف سعد الحريري في عام ٢٠١١ على رأس حكومة أخرج من فردوسها سيد قصر قريطم . وقد أمضى الميقاتي منذ استقالته من على رأس تلك الحكومة جل وقته في السعي لإستعادة ثقة الساحة السنية . وقد أفلح في ذلك حتى وصل الأمر بالرئيس سعد الحريري الى أن يتكأ في كثير من الأحيان على ثلاثي نادي رؤساء الحكومات السابقين الذي يضم الى جانب ميقاتي فؤاد السنيورة وتمام سلام . ولم يتمكن احد من الطعن في جدية رئيس الحكومة الحالية في تقديم الحريري على نفسه في الترشيح لتولي الرئاسة الثالثة في مناسبات عديدة كان المعسكر الآخر التملص من رئاسة الحريري للحكومة . وقد أفلح الميقاتي أيضا في تدوير الكثير من الزوايا الحادة التي كانت قائمة بين الحريري من جهة والرئيس عون وجبران باسيل من جهة أخرى . وحول بعض نقاط القوة التي كانت في يد ذلك الفريق الى نقاط قوة في يده ، اقلها أن الوقت غير المحدد المعطى للحريري كي يشكل حكومته والذي كان عنصر ضغط من قبل عون وباسيل ، بات يلوح به الرئيس ميقاتي في وجههما من خلال القول أن الوقت لديه ليس مفتوحا .

كما ان الرجل استفاد أيما إستفادة من مقولة ان العهد وتياره الوطني الحر قد أحبطا مرشحين لرئاسة الحكومة هما مصطفى أديب وسعد الحريري وساهما في تكبيل الرئيس حسان دياب ما أكد ان القضية بالنسبة لهما متصلة بتحجيم الدور السلطوي لرئيس الحكومة السني الممنوح له من الدستور اللبناني ... دستور الطائف . وأن عون وباسيل ومعهما أطراف كنسية وسياسية شتى يعملون على إعادة مفاعيل نظام الإمتيازات الطائفية الممنوحة للطائفة المارونية أو للطبقة السياسية المارونية التي كان يطلق عليها في نظام ما قبل الطائف المارونية السياسية . كنا استفاد الميقاتي أيضا من مواقف الرئيس نبيه بري المقتنع بصوابية كل التهم الآنفة الموجهة الى عون وباسيل ، إن لم يكن هو الذي أنتجها ودأب على الهمس بها في دوائره السياسية الضيقة . وقد كان الرئيس ميقاتي مدرك لأهمية دعم وتأييد قوة مارونية صغيرة ولكنها تمثل نواة صلبة داخل طائفتها ممثلة بتيار المردة وزعيمه سليمان فرنجية التي تربطه وشائج وثيقة مع الرئيس نبيه بري ... مع ما في هذه الوشائج من قنوات مفضية الى معركة رئاسة الجمهورية القادمة المفترض إجراؤها في خريف العام المقبل .

وغني عن القول أن الرئيس ميقاتي كان قد نسج خيوطا متينة في العلاقات مع فرنسا التي يقال أنها تحظى على تكليف ضمني من الإدارة الأميريكية الحالية في معالجة الوضع اللبناني وفي البحث عن القواسم اللبنانية المشتركة مع طهران التي تحادث رئيسها الجديد ابراهيم رئيسي مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون قبل ولادة الحكومة اللبنانية الجديدة ببضعة أيام . وقد قيل في توصيف هذا الإتصال أنه قد جاء في إطار الحث على الإسراع في تشكيل تلك الحكومة اللبنانية التي آن آوان ولادتها منذ زمن بعيد .

نعم ، لقد نجح نجيب ميقاتي وأثبت حذاقة سياسية نسبية يحتاج اليها آخرون . وقد استعان بالآية الكريمة : وقل ربي أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا . صدق الله العظيم .

أيمن حجازي