العدد 1389 / 4-12-2019

الأمور تمشي بالمقلوب سياسيا في البلد ، حيث تعثرت الآلية العادية لتشكيل الحكومات وبات العرف الدستوري نائيا بعد أن تم تأجيل الإستشارات النيابية الملزمة لأكثر من شهر من الزمن ما شكل سابقة مميزة على هذا الصعيد . والنص على إلزامية الإستشارات النيابية ، لا يعني فقط التسليم بنتائجها بل يعني الإلزامية بإجرائها أيضا وفق أصول محددة لإختيار وتحديد الإسم الجديد لرئيس الحكومة . والمسار المقلوب المشار اليه هنا ، متعلق بشكل رئيسي بالإستشارات النيابية التي يفترض أن يجريها رئيس الحكومة بعد تكليفه مع الكتل النيابية وسائر النواب .

وهذا ما أُخذ وأُنتزع من رئيس الحكومة ، بعد أن قامت دوائر القصر الجمهوري ورئيس التيار الوطني الحر بالخوض في كافة تفاصيل التشكيلة الحكومية قبل أن يتم التكليف . وهذا أمر مخالف للعرف الدستوري أو حتى للدستور نفسه . وباتت تركيبة الحكومة وشكلها وحجمها مدار إشتراط وتفاوض مع المرشحين لتولي منصب الرئاسة الثالثة . علما أن المسار الدستوري السليم لا ينبغي أن يسمح بذلك التأجيل الإشتراطي ، كما أن رئيس الحكومة المكلف يجب أن يحظى أولا على موافقة رئيس الجمهورية في التشكيلة التي يختارها ومن ثم يجب أن ينال ثقة المجلس النيابي على حكومته المفترضة . ومن أجل ذلك يقوم رئيس الحكومة المكلف بإجراء المشاورات المطلوبة مع رئيس الجمهورية ومع الكتل النيابية المطلوب نيل ثقتها "الغالية" .

وعلى الرغم من كل ما حصل ، فإن الأمور ما تزال معقدة وما تزال الأطراف على مواقفها على الرغم مما قيل عن حلحلة قائمة حول سماح الرئيس سعد الحريري بتكليف المهندس سمير الخطيب ليترأس حكومة تكنو - سياسية بعد أن تعذر عودة الرئيس المستقيل على رأس حكومة تكنوقراط صافية . علما أن الثنائي الشيعي ممثلا بحركة أمل وحزب الله قد ناضل من أجل هذه العودة الحريرية ولكن على رأس حكومة تكنو - سياسية ليس إلا . ويعود هذا النضال الذي مارسه الثنائي الشيعي الى خشية من لجوء الحريري الى المشاغبة على الحكومة القادمة في حال كان غائبا عن رئاستها . وما يترتب على ذلك من إحتدام في الأجواء المذهبية التي بدأت أشكالها تظهر من خلال قطع الطرقات في العديد من المناطق التي يمتلك فيها تيار المستقبل نفوذا شعبيا . وهو قطع يتم تحت عنوان الحراك الشعبي ولكنه مسجل في قيود التيار الأزرق ، كلما دعت الحاجة وكلما كان الحريري منزعجا من أمر ما في عمليات التفاوض القائمة . ويعتقد البعض أن هذا الإحتدام الشارعي ذي الطابع المذهبي سيبقى قائما في حال شكلت حكومة ما برئاسة غير الرئيس الحريري .

التفاؤل الذي حدث على صعيد تشكيل الحكومة في الأسبوع الأخير إستند الى معطيات خارجية تقول بأن التنسيق الأميركي الفرنسي البريطاني حول لبنان قد أفضى الى عدم التشدد في موضوع تشكيل الحكومة وفي موضوع مشاركة حزب الله فيها . ولكن الأمور على أرض الواقع ما زالت توحي بأن " طبخة البحص " ما زالت هي عنوان هذه المرحلة من الأزمة الحكومية التي ولدت في مهد الحراك الشعبي الذي يكاد ينهي شهره الثاني في الساحات والميادين والأوتسترادات المقطوعة والموصولة .

وفي المقابل فإن البعض يجزم بأن الرئيس الحريري هو الإسم الوحيد الذي يمكن أن تنتظم به أي تسوية جزئية جديدة في بلاد الأرز ، وأن القاعدة التي سعى الى تثبيتها التيار الوطني الحر قبل إنتخاب العماد ميشال عون والقاضية بالإتيان بالرجل الأقوى في طائفته في الرئاسات الثلاثة لا ينبغي أن يتم خرقها في اختيار إسم رئيس الحكومة الجديد . وإلا فإن التوازن الطائفي والوطني في البلد سيكون مهددا .

ايمن حجازي