العدد 1405 / 18-3-2020

طغى فايروس الكورونا على كل ماعداه من شؤون سياسية تراكمت ولا تزال متراكمة في الساحة اللبنانية . فالوباء بات وباءً عالمياً يهددُ الكوكبَ الأرضيَ وصحة الآدميين المنتشرين على أصقاعه الواسعة ، بعد ان حصد آلاف الضحايا وأصاب ما يقارب مئتي ألف إنسان حتى هذه الساعة . وقد استحضر هذا الفايروس عوامل الصراع الإستراتيجية على المستوى العالمي بكل بنودها السياسية والأمنية والإقتصادية . أما على المستوى المحلي فقد استمرت محاولات التلاعب السياسي على هامش الكورونا كما هي عادة اللبنانيين في كل ما يحل بهم من مصائب وأفراح وأتراح .

وقد هزت أزمة الكورونا إقتصاديات العالم وأنزلت خسائر فادحة بالقطاعات كافة ، وباتت صناعات الدول الكبرى على المحك ، ما دفع بالعديد من الشركات العالمية الى التوقف عن الإنتاج ، وتعرضت أسعار النفط الى الإهتزاز والهبوط ، وبات التنافس الإقتصادي الأميريكي - الصيني حاضرا وبقوة خصوصا بعد أن طالت الكورونا في بدايتها منطقة ووهان التي تشكل مجالا حيويا للصناعة الصينية . وبعد ان تدحرجت الأمور وأصابت الإقتصاد الأميريكي والأوروبي بخسائر موازية للخسائر الإقتصادية الصينية ، وقد حاول البعض أن يعطي أزمة الكورونا طابع الحرب البيولوجية ( وهذا ما قالت به إحدى أعضاء الكينيست الصهيوني قبل بضعة أسابيع ) خصوصا بعد ان كان الإستهداف الأول لذلك الفايروس في الصين وإيران ، حيث الدولة الأولى تنافس الولايات المتحدة الأميريكة إقتصاديا ، وتواجهها الدولة الثانية أمنيا وسياسيا .ويظن أنصار فرضية الحرب البيولوجية ، أن الإنتشار السريع والمتفاقم للكورونا في الولايات المتحدة وأوروبا ناتج عن ردود صينية غير مرئية في تلك " الحرب المفترضة " .

وقد تمددت تداعيات أزمة الكورونا الى المجال العلمي الطبي ، بعدما حاول الرئيس الأميريكي دونالد ترامب استمالة إحدى مؤسسات البحث العلمي الألمانية العاملة في إطار البحث عن لقاح ناجع لفايروس الكورونا ، من أجل إحتكار إكتشافات هذه المؤسسة على هذا الصعيد ، وهذا ما استفز القادة السياسيين الألمان وعموم المجتمع الألماني . وقد تبين أن السباق العلمي الصيني - الأوروبي - الأمريكي على أشده من أجل الوصول الى اكتشافات ناجعة وجديّة وفاعلة على هذا الصعيد ، مع ما ترتبه هذه الإكتشافات العلمية المفترضة من مكاسب تجارية وإقتصادية وعلمية واسعة وينعكس إيجابا على الواقع الإستراتيجي لأي دولة من الدول التي تسبق الآخرين في إطار البحث العلمي المشار إليه ، وذلك بعيدا عن مفاعيل الحرب البيولوجية المفترضة بين الأقطاب العالميين على ظهر الكوكب ، وهو ما لم يتورط في إثباته أي من الجهات الرسمية الدولية حتى هذه الساعة . وقد لوحظ أن الدولة الصينية قد أدت دورا إنسانيا بارزا له أبعاد سياسية كبرى من خلال مد الدولة الإيطالية المنكوبة بأزمة الكورونا عندما أرسلت لها ٣١ طنا من المساعدات الطبية ، وهي الدولة العضو في حلف الناتو . وكان من بين هذه المساعدات عدد لا بأس به من أجهزة التنفس بعد ان امتنعت فرنسا وألمانيا عن تزويد إيطاليا بهذه الأجهزة نتيجة الحاجة الماسة الى هذه الأجهزة في هذه الاقطار . وكذلك فعلت الصين مع إيران والعراق ولبنان ، في ممارسة دولية تؤكد الحضور الوازن لهذه الدولة المنكوبة أيضا بالكورونا قبل غيرها .

لم يعد خافياﹰ على أحد أن الكورونا ستلعب دورا كبيرا في كثير من الإستحقاقات الداخلية لكثير من دول العالم ، أي أن نجاح أو فشل الإدارات الرسمية لهذه الدول في معالجة أزمة الكورونا سيكون لها دور حاسم في تلك الإستحقاقات ... ويتوقع الكثير من المراقبين ان تؤثر أزمة الكورونا تأثير بالغ في الإنتخابات الأميريكة القادمة في تشرين الثاني المقبل ، وذلك في ضوء نجاح الإدارة الأميريكة الحالية أو فشلها في مواجهة تلك الأزمة العالمية المستعصية .

وفي العودة الى ساحتنا المحلية ، فإن الكورونا أيضا شكلت مادة تجاذب سياسي تحركت في بعض الأحيان بشكل طائش وغير مسؤول ، حيث حاول البعض إستغلال قلق الناس ووجعهم من أجل تسجيل نقاط إيجابية في مرماه أو نقاط سلبية في مرمى غيره ، وامتلات الشاشات ببعض المستغلين والجهلة وأدعياء العلم والطب والتجارة الصحية البائسة .

أيتها الكورونا السوداء أو الشقراء ، هل تخبئين زوارا أكثر قبحا منك في هذه الديار وعلى هذا الكوكب ؟

ايمن حجازي