أيمن حجازي

في غمرة اﻻهتمامات اللبنانية اﻷمنية والسياسية التي ترتبت عن معارك جرود عرسال وجرود رأس بعلبك، تتسلل بعض التطورات المتعلقة بعلاقات قوى سياسية لبنانية كانت على خصومة حادة، حيث تبرز العلاقة بين حزب القوات اللبنانية وتيار المردة كنموذج حي على هذه العلاقات المميزة في سلبيتها. وغني عن القول أن هذه الخصومة المشار اليها ضاربة في التاريخ الحديث للبنان، وهي تعود الى بدايات الحرب اللبنانية حين انقلبت علاقة التحالف بين حزب الكتائب والرئيس سليمان فرنجية، جد الزعيم الحالي لتيار المردة النائب سليمان طوني فرنجية، الى علاقة  تنافرية كان في حصادها صدام عسكري سقط بنتيجته نجل الرئيس فرنجية آنذاك النائب طوني فرنجية. 
ولم يكن التنافر حصيلة عملية ثأرية بين قوتين مسيحيتين وحسب، بل ارتكز أيضاً على خلافات في المواقف السياسية، كان في طليعتها الموقف المسيحي من الدور السوري في لبنان، حيث كان الرئيس سليمان فرنجية حليفاً دائماً لدمشق، وانحاز حزب الكتائب وحلفاؤه في «الجبهة اللبنانية» إلى مواقع الخصومة مع العاصمة السورية وكل سياساتها اللبنانية. وقد استمر هذا الوضع طوال عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي وعُدِّل جزئياً بعد عام 2000 حين تمكنت قيادة كتائبية جديدة من خارج عائلة الجميل من اﻻمساك بزمام اﻷمور داخل ذلك الحزب، فيما كانت قيادة القوات اللبنانية ممثلة بسمير جعجع تقبع داخل سجن اليرزة منذ عام 1994. لذا، فإن السنوات اللاحقة شهدت لقاءات عابرة بين النائب فرنجية وجعجع في اجتماعات «هيئة الحوار الوطني» أو في بكركي، لكنها لم ترقَ الى مصاف اﻻجتماع الرسمي إﻻ من خلال مبادرة البطريرك الماروني بشارة الراعي الى الدعوة لعقد اجتماع رباعي في بكركي لمواجهة الفراغ الرئاسي الذي نتج من انتهاء وﻻية الرئيس ميشال سليمان دون انتخاب رئيس جديد للجمهورية.وقد ضم ذلك اﻻجتماع العماد ميشال عون والرئيس أمين الجميل والنائب سليمان فرنجية ورئيس حزب القوات سمير جعجع، ما أسهم في كسر الجليد النفسي المتراكم بين فرنجية وجعجع، ومهد لقيام تخاطب سياسي وصل في المرحلة الحالية الى زيارات وفود من الجانبين الى بنشعي ومن ثم الى معراب. فما هي اﻻعتبارات السياسية الدافعة إلى تفعيل العلاقة السياسية بين الجانبين؟
لقد أسهم ترشيح الرئيس سعد الحريري في خريف عام 2015 للنائب سليمان فرنجية في دفع رئيس حزب القوات الى ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، وذلك لتحقيق عدة أهداف يأتي في مقدمها درء مخاطر وصول سليمان فرنجية الى قصر بعبدا. وإذا كان إبعاد رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل عن رئاسة الجمهورية يمثل هدفاً مشتركاً بين القوات والمردة، فإن تحقيق هذا الهدف يتطلب التعاون اﻻنتخابي المشترك بين الفريقين في أكبر دائرة انتخابية مسيحية في لبنان تضم أربعة أقضية هي زغرتا والكورة وبشري والبترون. وهي دائرة انتخابية تشكل حلبة واسعة لجبران باسيل يجب أن يعبرها قبل أن يتطلع بجدية نحو الرئاسة اﻷولى، ما يجعل من عملية إحباط باسيل في تلك الدائرة اﻻنتخابية خطوة أساسية لقطع الطريق على تطلعاته.
وقد تنطوي عملية تفسير اللقاء الحالي بين القوات والمردة وحصرها بقطع الطريق على تطلعات باسيل الرئاسية، على عملية تبسيط سياسي ﻻ يخلو من السذاجة، ولكنه ﻻ يخلو من الحقيقة في الوقت نفسه، حيث ينبغي البحث عن اﻷسباب اﻻضافية التي تدفع معراب وبنشعي الى بناء علاقات جدية وفاعلة ومنتجة إن لم تتعرض تلك العلاقات لأي انتكاسة محتملة.>