العدد 1351 / 27-2-2019
أيمن حجازي

موجة الحملة على الفساد التي تأججت خلال جلسات مناقشة البيان الوزاري للحكومة الحالية ، تتالت خطواتها اللاحقة التي انخرطت فيها معظم الكتل النيابية . وقد تمظهر الأمر على شكل تعيين كل كتلة من هذه الكتل واحدا من أعضائها موكلا بهذا الملف , فبرز النائب حسن فضل الله من كتلة الوفاء للمقاومة ، والنائب إبراهيم كنعان من كتلة لبنان القوي ، والنائب ياسين جابر من كتلة التنمية والتحرير ... وبات كل واحد من هؤلاء النواب متأبطا لملف الفساد والفاسدين الذي يحتاج الى دراسات شاملة والى فريق عمل لدى كل من هذه الكتل . وفي مواجهة الأصوات المرتفعة التي علت في تفاصيل الوقائع المرتبطة بالفساد والتي كانت شيقة في مجملها ، طرح السؤال المقلق حول أسماء المسؤولين والسياسيين المتهمين بالإرتكابات الشنيعة في هذا المضمار , ولكن الجميع إمتنعوا عن التسمية نظرا لاعتبارات كثيرة . وقد أحال النائب حسن فضل الله مهمة تعيين الأشخاص والأسماء المدانة بتهم الفساد الى القضاء كجهة مختصة في التحقيق والتدقيق ومن ثم تحديد المتهمين .

ثمة معضلة كبيرة تعترض طريق محاربة الفساد التي أعلنت أكثر من كتلة نيابية وجهة سياسية رغبتها الجامحة في خوض غمارها . وهي التحالفات السياسية التي قد تحول دون النجاح في خوض هذه المعركة ، وذلك حين تصل الأمور في عملية كشف الفساد الى ان تطال الحلفاء ووزراءهم ونوابهم أو المنتمين اليهم في الإدارة العامة . ساعتئذ هل يقدر أولئك الفرسان المحاربون للفساد على إتمام المهمة دون الإضرار بتحالفات قواهم السياسية المتشعبة أو غير المتشعبة ؟

هذه المعضلة قد تحبط الحملة على الفساد وقد تطيح بها , وقد تجعلنا عرضة لحملات مقاومة الفساد ولكن بشكل إنتقائي ، ترتفع فيها الأصوات عندما يكون المتهم بالفساد منتميا الى طرف آخر وتنخفض هذه الأصوات أو تختفي أو تخفت عندما تصل حملة مكافحة الفساد كي تنال من بعض الحلفاء أو الأحبة ... وتكبر هذه المعضلة عندما نرى أن البلد يعج بالتحالفات الثابتة والظرفية والمرحلية والتحالفات الإستراتيجية . وإذا أردنا ألا نستبق الأمور وأن نحترم كل الأصوات التي سمعناها في الأشهر والأسابيع القليلة الماضية ، فانه ينبغي القول بالإنتظار كي يرى الرأي العام اللبناني مدى جدية ما يقال بشكل عملي وواقعي ومتفائل .

من الطبيعي أن نشهد في هذا الخضم ملفات للفساد وملفات مضادة , حيث ينبغي أن يلجأ كل طرف من الأطراف وكل تحالف من التحالفات الى الرد والدفاع " المشروع " عن النفس ، وهنا قد يلجأ الجميع الى التغطية أو التغطية المضادة التي تحول ملف مكافحة الفساد , من شأن إصلاحي موضوعي متجرد الى شأن سياسي بحت تتداخل فيه الإعتبارات التحالفية السياسية والطائفية والمذهبية على حد سواء . وهذا ما كان يحصل في الكيان اللبناني الإداري والسياسي عبر تاريخنا الطويل . فهل يستمر هذا الواقع المزري , أم أن معطيات ايجابية جديدة قد ولدت ولابدّ لها أن توجد تحولا ايجابيا بارزا في ملف مكافحة الفساد المشار اليه .

أيمن حجازي