أيمن حجازي

ما زالت التعقيدات السياسية اللبنانية تنمو وتتطور على وقع التحالفات المستجدة التي طرأت على الساحة اللبنانية في العام اﻷخير وقربت بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية، وكرست الفجوات بين هذا التيار وحركة أمل، في مقابل اختصار المسافة بين تيار المستقبل والتيار العوني، وبقاء «حزب الله» والحزب التقدمي اﻻشتراكي على علاقاتهما السابقة مع باقي اﻷطراف السياسية اللبنانية. وكان القانون اﻻنتخابي الموعود هو عنصر الخلاف الرئيسي الذي حل بعد اﻻنتخابات الرئاسية اﻷخيرة التي حملت العماد ميشال عون الى سدة الرئاسة اﻷولى في قصر بعبدا، حيث استحضرت القوى واﻷحزاب والتيارات كل ما لديها من عناصر تناقض حالت دون التوصل الى هذا القانون المرتجى.
 ويعمل الجميع في اطار البحث عن النظام اﻻنتخابي، للمحافظة على قوة تمثيله النيابي أو على تعزيز هذا التمثيل، ما يشعل التضارب في مصالح الجميع المحتشد سياسياً وحزبياً وطائفياً، وتنشط مراكز البحث واﻻستطلاع التابعة للجهات أو المكلفة من قبل جهات أخرى من أجل بلورة نتائج افتراضية للانتخابات التي يمكن أن تجرى على أساس هذا القانون أو ذاك، ما وفّر فرص عمل واسعة لعدد كبير من العاملين في هذا القطاع. وعلى قاعدة الخلاف حول القانون اﻻنتخابي يتراكم العديد من الخلافات اللاحقة التي تبدأ بالموازنة و«سلسلة الرتب والرواتب»، وﻻ تنتهي بمشروع الكهرباء الذي عصف وضرب مرة أخرى جدار العلاقة بين التيار الوطني الحرّ وحركة أمل. في هذا الخضم يبدو أن التفاؤل بالتوصل الى قانون انتخابي جديد يعم رئيسي الجمهورية والحكومة، فيما يحل التفاؤل النسبي لدى «حزب الله» في الوقت الذي يسود فيه الحذر موقفي رئيس المجلس النيابي نبيه بري، والنائب وليد جنبلاط. وتتعطل لغة الكلام عند الساسة اﻵخرين الذين يراقبون ما يحصل من مواقعهم المهددة برياح القوانين المختلفة. ويستمر النقاش بين اللاعبين حول النسبي واﻷكثري، والصافي والمختلط وحول حجم الدوائر اﻻنتخابية، هل هي كبيرة وشاهقة أم أنها متوسطة ومتفاوتة من محافظة الى أخرى ومن طائفة الى طائفة ومن مذهب الى مذهب؟ و قد أطلق رئيس المجلس النيابي نبيه بري في الأسبوع الأخير مواقف رفع فيها عقيرته محذراً من مغبة الوقوع تحت وطأة الفراغ النيابي الذي يهدد الواقع اللبناني إثر نفاذ المهل القانونية، وبفعل اقلاع الجميع و ابتعادهم عن «رذيلة التمديد» للمجلس النيابي الحالي ما خلا مطية التمديد التقني الذي قد يلجأ اليه الجمع السياسي اللبناني في نهاية المطاف لإنقاذ ما يمكن انقاذه. و قد أضاف الرئيس بري في اطار تحذيره من الوقوع في الفراغ النيابي، سلبية أخرى الى سلبيات هذا الاحتمال حيث الشرعية ستكون مطعوناً فيها لدى كل المواقع الرسمية اللبنانية، بما فيها الرئاسة الأولى في حال حصول الفراغ النيابي المشؤوم. و في ذلك إشارة واضحة وموجهة الى الرئيس ميشال عون و التيار الوطني الحر، بأن الفراغ النيابي سيكون أفدح خسارة بالنسبة إلى لبنان من الفراغ الرئاسي الذي دام أكثر من سنتين من الزمن. ويسترسل البعض في أقوالهم ليخلصوا الى نتيجة مفادها أن الفراغ النيابي المفترض أو المحتمل لن يفلح في أداء دوره الثأري من الفراغ الرئاسي الذي يظن البعض أنه استهداف طائفة بعينها. لذا يستحسن ألا يُضفى الطابع الذهبي أو الطائفي على أي من الفراغات الرئاسية أو الحكومية أو النيابية السابقة أو اللاحقة أو الموعودة، والتعامل مع كل حالة من هذه الحالات المؤلمة ببعدها السياسي المنزه عن كل موبقات التطييف والمذهبة غير المهذبة.