العدد 1390 / 11-12-2019

بلا مواربة حسم مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان ودار الفتوى موضوع التكليف ، وأصدر مذكرة جلب بحق المهندس سمير الخطيب وأعاده الى مكتبه الهندسي وأسقط الدفرسوار الباسيلي الذي كان يهدد رئاسة الحكومة بكل ما تمثل ومن تمثل . وعاد من جراء ذلك الرئيس سعد الحريري مرشحا وحيدا وأوحدا للرئاسة الثالثة ، شاء من شاء وأبى من أبى . وقد اعتبر الطرف الآخر أن هذه الملحمة ما هي إلا معركة مع طواحين الهواء ، لأن أطراف معسكر الثامن من أذار بذلوا قصارى جهدهم كي يتمسكوا بالرئيس الحريري في موقعه المحجوز . وأن لبن العصفور الذي سعى الرئيس نبيه بري الى إحضاره وتحضيره لم يكن مخصصا إلا لإبن رفيق الحريري كي يقنع ويبقى حيث هو دون أن تغريه الأهواء الثورية وتأخذه الى حيث التكنوقراط طبقا وزاريا صافيا لا كدر سياسي يعتريه .

وتراود المواطن اللبناني العادي الذي يتلظى تحت وطأة الأزمة الحالية التي فاقمت الفقر والعوز وأشاعت الإنتحار وأقفلت المؤسسات ، تساؤلات شتى تحاول البحث عن المسافة الفاصلة بين مواقف الأطراف المتنازعة على الساحة السياسية . وتحديدا عن المسافة التي تفصل حكومة التكنوقراط عن الحكومة التكنوسياسية ! وذلك بعد أن غابت شعارات الأيام الأولى للثورة المتمثلة بضرورة إسقاط النظام واستبدلت بمطلب تعجيل إجراء الإستشارات النيابية الملزمة . وبعد أن انشغلت شاشات الثورة وفضائياتها بالبحث عن فقراء الأحياء في طرابلس وصيدا وغيرها من الأصقاع المتألمة وبتسليط الأضواء على مآسيهم المتنوعة . وقد ساندت الطبيعة هذه الشاشات الثورية المتألقة ومدت لها يد العون ، عبر الفيضان الذي حصل في منطقة الناعمة وأغرق أوتستراد خلدة ، وعبر الطوفان الذي حل في منطقتي الأوزاعي والجناح وولد الخراب في المحلات التجارية والخسائر البالغة . ودفع بالمواطنين الى اللجوء الى القوارب الصغيرة كي يعبروا الى بر الأمان . وقد جاء إنهيار أحد البيوت المتهالكة في مدينة الميناء الطرابلسية ووفاة شخصين ليؤمن مواد ثورية إضافية للحراك الشعبي ولكل الشاشات الثائرة المنخرطة في صفوف ثورة السابع عشر من أكتوبر التي باتت تحاكي ثورة أكتوبر ١٩١٧ الروسية بقيادة لينين . ولكن الفرق في هذه المحاكاة أو هو أحد أهم الفروق ... هو أن لا لينين لهذه الثورة كي يقودها حتى إعداد هذه المقالة .

وهكذا عادت الأمور الى نقطة الصفر ، أو الى المربع الأول . وأجلت الإستشارات النيابية الى الإثنين المقبل في السادس عشر من الشهر الحالي من دون وجود أي ضمانة تؤكد حصول هذه الإستشارات في ذلك النهار وذلك لسبب بسيط جداوهو أن بعض أو أحد الممسكين بالقرار الرئاسي اللبناني يصر على تأليف الحكومة قبل تكليف رئيسها . وقبل إجراء الإستشارات النيابية الملزمة التي يفترض أن يجريها رئيس الجمهورية ، وقبل إجراء الإستشارات النيابية التي يفترض أن يجريها رئيس الحكومة المكلف حول التشكيلة الحكومية المنشودة . وتجدر الإشارة هنا أن بعض الناس الضليعين في الشؤون الحكومية والدستورية يشير الى ان إجراء الإستشارات النيابية الملزمة وتكليف رئيس حكومة جديد لا يمنح هذا الأخير أي حق في التحكم بطبيعة الحكومة طالما أن مرسوم تشكيل الحكومة يجب أن ينال توقيع رئيس الجمهورية ، وأن الأكثرية النيابية يجب أن تمنح الحكومة الثقة حتى لا تسقط أمام المجلس النيابي وهي أكثرية يمتلكها رئيس الجمهورية وحلفائه . ويتساءل هذا البعض عن السبب في وجود تخوف من التكليف قبل الإتفاق على بنية الحكومة الداخلية . ويجزم هؤلاء بأن التعجيل بإجراء الإستشارات الملزمة وبإجراء عملية التكليف سيحرج الرئيس الحريري ليس إلا ، لأنه من الناحية الديموقراطية والدستورية سيعاكس رأي الأكثرية النيابية إن هو أصر على موقفه التكنوقراطي وحتى ولو استقوى بالشارع الثوري الهائج . ولأن ذلك سيولد معضلة دستورية في وجه الرئيس الحريري . مع ملاحظة أن ما عرض على الرئيس الحريري من قبل الرئيس نبيه بري من ضمن صفقة" لبن العصفور " كان عبارة عن حكومة تكنوقراط مطعمة بأربع وزراء سياسيين ليس إلا .

ثمة حقيقة في هذا السياق يجب الإلتفات إليها ، وهي أن الرئيس الحريري قد يكون مهيئاً ومستعداً للقبول بصفقة " لبن العصفور " لولا أن أحد الوزراء السياسيين يدعى جبران باسيل ... فالعلاقات بين الحريري من جهة ومحمد فنيش ويوسف فنيانوس وعلي حسن خليل ليست شائكة أبدا . بل إنها سلسة ومرنة وحتى هنيئة ولكن جبران باسيل المسكون بتحفزات ومشاعر رئيس الجمهورية "القادم" لن يكون أقل من رئيس حكومة ثانٍ أو أول في حكومة صفقة " لبن العصفور " . جبران باسيل هو العقبة.

ايمن حجازي