أيمن حجازي

تزدحم القراءات السياسية اللبنانية التي تتمحور حول التداعيات المختلفة لما جرى مع رئيس الحكومة سعد الدين الحريري منذ الرابع من تشرين الثاني الجاري وحتى هذه الساعة. حيث ﻻ يزال البعض يغوص في تفاصيل وأبعاد الرحلة التي تنقلت بالرئيس الحريري من بيروت الى الرياض فباريس والقاهرة ومن ثم الى بيروت بكل محطاتها المشهودة في جادة شفيق الوزان وبعبدا وبيت الوسط وعين التينة وعائشة بكار...
لم يعد من شك وﻻ ريب أن الرئيس الحريري قد نال تعاطف الشعب اللباني من فئاته المختلفة، وحظي على التفهم التام لموقفه من قبل الخصوم والمناوئين لخطه السياسي. حتى شعر البعض أن بعض هؤﻻء الخصوم والعتاة منهم، كانوا خلال اﻷسابيع الماضية على وشك رفع صور الرجل في الساحات أو على أهبة تسيير مظاهرات شعبية تهتف للحريري وتطالب بعودته إلى سدة الرئاسة الثالثة.
وقد أبتدع الفكر السياسي اللبناني حالة اسمها «التريث» لتطلق على موقف الرئيس سعد الحريري من اﻻستقالة التي أعلنت قبل أسابيع من العاصمة السعودية الرياض خلال محنة اﻷخير المشار إليها. والتريث مصطلح سياسي استحدث كي يجعل التراجع عن استقالة الحريري يمر بانعطافة تمهيدية تعيد اﻷمور إلى نصابها المعهودة ويبدد الإحراج الذي يمكن أن يصيب أياً من اﻷطراف السياسية الفاعلة. 
وتكمن الحقيقة الساطعة في أن موقف الرئيس الحريري الذي أعلنه في ذكرى الاستقلال من القصر الجمهوري في بعبدا، شكل في الوقت نفسه انتكاسة واضحة للسياسة السعودية في لبنان والمنطقة. حيث عاكس الحريري الإرادة السعودية التي تمثلت بكتاب اﻻستقالة الذي تلاه الحريري عبر قناة العربية في ذلك السبت «اﻷسود»، والتي كانت تتطلع إلى قلب الطاولة اللبنانية في وجه «حزب الله» وإيران. واﻷهم في الموضوع أن موقف الحريري الرافض لقلب الطاولة لم يكن تمرداً منفرداً على الإرادة السعودية، بل انه جاء تمرداً يتضمن تعبيراً جامعاً عن موقف أوروبي - أميركي متناغم مع موقف جزئي رسمي عربي تقوده مصر. وقد قيل الكثير في هذا المجال حيث أفادت بعض المعلومات أن المسؤول اﻷميريكي ديفيد ساترفيلد قد اتهم الوزير السعودي سامر السبهان بتهديد اﻻستقرار في لبنان. وهذا ما دفع الى التعبير عن اﻻستياء اﻷميريكي من جراء الموقف السعودي المشار إليه. ما يشكل سابقة في تاريخية لم تشهد لها العلاقات السعودية اﻷميريكية مثلاً.
وباتت اﻷسئلة متراكمة اثر ذلك عن مستقبل العلاقة بين الرئيس الحريري والمملكة العربية السعودية، خصوصاً بعد أن برزت الرعاية الفرنسية - المصرية المشتركة لإعادة الحريري إلى موقعه اللبناني ومن ثم رعاية التسوية التي وضع لها تسمية «التريث» وما يلي ذلك من خطوات تحفظ ماء الوجه للجميع وتثبت الشعار اللبناني القديم الذي ابتدعه الرئيس الراحل صائب سلام بأنه «ﻻ غالب وﻻ مغلوب»...
استكماﻻً للتريث الطيب الذكر، يفترض أن توضع آلية اخراج ﻻحقة للتسوية من خلال بيان أو إعلان يؤكد على مرجعية الطائف، وعلى الإلتزام بالنأي بالنفس قوﻻً وعملاً كي تعود اﻷمور الى طبيعتها وكي تستعيد الحكومة وضعها الطبيعي وكي نتلمس المستجدات الإقليمية والمحلية المتعددة اﻷبعاد. تمهيداً للمرحلة المقبلة التي تتطلب الكثير من الجهد والعمل بغية نسج التحالفات اﻻنتخابية ورسم خطوطها والتوقف عند موازين القوى وأحجام الكتل اﻻنتخابية الوازنة التي ستتحكم بالمشهد السياسي اللبناني القادم.