العدد 1378 / 18-9-2019
أيمن حجازي

عندما تمكّن علية القوم من إتمام الترتيب النسبي والمؤقت للوضع الداخلي اللبناني ، إلتهبت الأوضاع في المنطقة خصوصا لجهة التطورات الحاصلة في الجزيرة العربية والتي كان آخرها القصف التي تعرضت له منشآت شركة آرامكو النفطية , ما أثّر تأثيرا بالغا على تطور الأمور السياسية والإقتصادية والمالية على الساحة الدولية . وقبل أن تظهر كافة التداعيات المحتملة لهذا الحدث الهام في منطقة الخليج ، سارعت العديد من القوى السياسية اللبنانية الى إتخاذ مواقف غير نائية بالنفس من تلك الأحداث دون أن تتأثر العلاقات الداخلية اللبنانية من جراء إعلان تلك المواقف.

وجاءت مواقف الرئيس سعد الحريري والنائب نهاد المشنوق ومفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وآخرين من أهل السياسة والإعلام وأصحاب المواقع الدينية داعمة للمملكة العربية السعودية . في الوقت الذي تحفظت فيه القوى المؤيدة لإيران ولحركة أنصار الله الحوثية اليمنية حيال قصف الآرامكو . وعبرت وسائل إعلام تلك القوى عن تأييدها لحق الشعب اليمني " في الدفاع عن نفسه وفي الرد على عدوان " التحالف العربي " على اليمن . في هذه الأثناء استمر الجميع وبرشاقة سياسية لافتة في متابعة أعماله النيابية والوزارية الإعتيادية ، دون أن يلتفت أحد لما قيل في الموضوع الإقليمي المتصل بإستهداف منشآت الآرامكو . وفي ذلك رقي بالغ في قدرة القوى السياسية اللبنانية على الفصل بين ما يمكن الإتفاق عليه في الساحة المحلية وما يمكن أن يفرق في المواضيع السياسية الخارجية الذي يحق لكل فريق أن يتخذ منها المواقف التي يشاء.

وقد تجاوزت الرشاقة السياسية المشار اليها كل ذلك ، وصولا الى عزل الواقع الداخلي اللبناني عن النتائج التي توصلت اليها المحكمة الدولية الخاصة بلبنان , والمتعلقة بالتحقيق باغتيال الرئيس رفيق الحريري وعدد من الشخصيات اللبنانية السياسية والإعلامية . ما يؤكد أن البيئة السياسية اللبنانية باتت مؤهلة لأن تتعايش مع بعضها البعض عندما تتخذ قرارا سياسيا حاسما لسلوك طريق هذا التعايش مهما كانت القضايا الخلافية حادة ومؤلمة ومصيرية . وقد أعلن في الأسبوع المنصرم القرار الإتهامي بإغتيال جورج حاوي الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني ، وبمحاولتي إغتيال النائب مروان حمادة والوزير السابق الياس المر . وقد كرر هذا القرار إتهام أحد مسؤولي حزب الله بهذه العمليات . علما أن حزب الله سبق له أن أعلن وأكد أن المحكمة

الدولية مسيسة وخاضعة لقوى كبرى معادية وأنها ليست جهة صالحة لتولي أي قضية من قضايا الإغتيال السياسي التي حصلت إبتداء من خريف ٢٠٠٤ واستمرت متقطعة لسنوات.

لا ضرب منشآت آرامكو السعودية ، ولا صدور قرار إتهامي من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أثرا على الهدوء السياسي النسبي السائد على الساحة اللبنانية ... وبقيت جلسة مجلس الوزراء المخصصة للشروع بمناقشة موازنة ٢٠٢٠ وما رافقها من صدور تعيينات إدارية ، تسير على ما يرام رغم كل المخاوف الصغيرة والكبيرة . وتكرست في هذا الوقت ظاهرة المعارضة الحكومية التي برزت من خلال إصرار حزب القوات اللبنانية على الإستمرار بالمشاركة في الحكومة الحالية على الرغم من إعلان هذا الحزب عن معارضته لمعظم التوجهات الحكومية الحالية.

وخلاصة القول ، أن القادة اللبنانيين قادرون على الإرتقاء بخلافاتهم الى مستوى الصراع السياسي المشروع البعيد عن التهديد والوعيد باللجوء الى الشارع أو التلويح المتكرر بالعودة الى مسار الحرب الأهلية , وذلك من خلال تهذيب الإرتباطات الخارجية للقوى السياسية اللبنانية والحد من طغيانها على الواقع المحلي المثقل بالعواصف الوافدة التي يتصدرها محاولات الغرب الأمريكي والأوروبي فرض وقائع تلائم مصالحه ومصالح الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين والمعتدي دوما على الحقوق العربية كافة.

أيمن حجازي