ايمن حجازي

ﻻ يمكن المراقب السياسي والإعلامي على الساحة اللبنانية اﻻ أن يقول بوجود عقم سياسي يحيط بالبحث عن قانون انتخابي جديد يشكل بديلاً منطقياً للقانون المعتمد والنافذ والمسمى بقانون الدوحة أو «قانون الستين» نسبة الى السنة التي ظهر فيها هذا القانون. والعقم المشار اليه هنا ينبع من غياب القدرة على صياغة التسويات التي ترتكز على ميزان قوى محلي واقليمي سائد. فالساسة اللبنانيون الحاليون قادمون من زمن الحرب اﻷهلية التي ﻻ بدّ أن تطبع التسويات بطابع الغلبة لفريق على آخر أو الغلبة ﻷفرقاء على آخرين.
 وحتى التسويات التي كانت قائمة قبيل الحرب اﻷهلية اللبنانية، فإنها كانت أيضاً تميل الى جانب فريق من الفرقاء الذين يتحصنون ضمن اطار نظام اﻻمتيازات الطائفية الذي كان سائداً آنذاك. وتجدر اﻻشارة هنا الى أن التدخل الخارجي بمعناه اﻻيجابي بات محدوداً بفعل عوامل عديدة تتعلق بهذه الجهات الخارجية التي بات بعضها منشغلاً بقضايا أخرى أكثر أهمية من الساحة اللبنانية. في حين أن قوى خارجية أخرى ﻻ تدخل في تفاصيل الشأن اللبناني، تاركة هذا اﻷمر ﻻمتداداتها اللبنانية التي تحتل موقعاً هاماً في ساحة علاقتها مع مرجعياتها الإقليمية الكبرى. 
لقد بلغ التضارب في مصالح اﻷفرقاء ذروته، وبات كل فريق يتمسك بمطالبه في القانون اﻻنتخابي دون اية تنازﻻت، ولو كانت جزئية. كما أن حق الفيتو قد وزع على الجميع دون استثناء، ما جعل التوصل الى تسوية عملية شائكة وشبه مستحيلة.
وقد استنتج البعض أن وﻻدة قانون انتخابي يرضي معظم القوى السياسية ﻻ بدّ أن يوجد قوى متضررة على المستويين الطائفي والحزبي. في هذا الخضم تشهد الساحة اللبنانية طروحات غريبة عجيبة حينما يبرز بعض الساسة ويحتلون منابرهم ويرشحون أنفسهم ليكونوا أئمة العلمانية وقادة العداء لكل ما هو طائفي وفئوي ومذهبي ثم ينحدرون في موقفهم السياسي ويختمون بالقول إنهم لن يقبلوا باستمرار الخلل في تمثيل طائفتهم الكريمة ولن يسمحوا بالتالي باختيار أي نائب من نواب طائفتهم من قبل الناخبين اﻵخرين... وفي المقابل، إن قراءة اﻷسباب الدافعة نحو المطالبة باعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة ﻻ تخرج عن اطار المصلحة اﻻنتخابية للطوائف اللبنانية الكبرى التي تستفيد من حجم هذه الدائرة وتفرض إرادتها ومصلحتها اﻻنتخابية الواضحة. 
لقد عاد الحديث في اﻷسبوع الماضي الى إحياء مشروع القانون اﻷرثوذكسي الذي يحصر حق انتخاب النواب داخل أطرهم الطائفية والمذهبية، ويحول دون تأثير أي كتلة انتخابية طائفية في اختيار أي نائب من طوائف أو مذاهب أخرى. ما يؤكد العقم المشار اليه ويفتح الباب واسعاً أمام تفسيرات شتى لمآل الوضع الحالي الذي يمثل مأزقاً حقيقياً يقع فيه الجميع... الجميع...
وﻻ ينبغي أن نتجاهل أمراً هاماً على هذا الصعيد، وهو أن البحث الدائر في قانون اﻻنتخابات، الذي يتمحور حول النسبية واﻷكثرية وحول حجم الدوائر اﻻنتخابية يقفز فوق قضية هامة، أﻻ وهي المناصفة الظالمة التي تجعل على سبيل المثال 59 بالمئة من الناخيين البيروتيين ممثلين بتسعة نواب و41 بالمئة من ناخبي العاصمة ممثلين بعشرة نواب، ومشكلة الـ59 بالمئة أنهم من الطوائف الإسلامية الكريمة فيما اﻻمتياز اﻷكبر للـ41 بالمئة أنهم من الطوائف المسيحية الكريمة. وهذا ما ينطبق على باقي الدوائر اﻻنتخابية التي تخضع لهذا «التمييز اﻻنكشاري» الجائر الذي ﻻ يكترث بقبحه أحداً من حقوق الإنسان وأنصار الديموقراطية الذين يصمون آذاننا في الليل والنهار بحثاً عن هذه الديموقراطية المثقوبة.