العدد 1391 / 18-12-2019

يستمر القادة والساسة اللبنانيون في الدوران في الحلقة المفرغة بحثا عن حل مقبول للسير في الخطوات الدستورية المتوجبة لتشكيل الحكومة التي يجب أن تخلف حكومة الرئيس سعد الحريري المستقيلة منذ أكثر من ستة أسابيع . ويستمر الحراك الشعبي الذي دخل شهره الثالث في ولوج أطوار جديدة قد تبعده عن كل ما رفع له من شعارات وغايات وأهداف عبرت منذ بداية إنطلاق هذا الحراك ، عن آلام وأمال معظم اللبنانيين.

ففي حمأة التطورات الشارعية الأخيرة نرى أن حركة الجماهير في الميادين باتت مهددة بالتحول الى " ملاحم " مذهبية وطائفية تحت وطأة ممارسات مفتعلة تسمم الأجواء وتنتهك المقدسات وترسم خطوط تماس ملتهبة بين مختلف المناطق التي تشكل أجزاء من الوطن اللبناني الواحد . وفي موازاة ذلك تستمر المماحكات السياسية بين القوى السياسية الكبرى المتشاركة في بنية السلطة ، والتي تحاول إستغلال هذا الحراك وتوظيفه بالإتجاه الذي يخدم مصالحها ومنافعها الآنية والبعيدة الأجل . وكم كانت قبيحة (في الأسبوع الأخير) تلك المشاهد أو الأصوات التي أثارت الغرائز و شحنت النفوس ووجهت القواعد الشعبية نحو التحكم بالشوارع ومفاصل الطرق ، وحولت ليل بيروت العاصمة الواقعة تحت أضواء العالم لحفلات هرج ومرج صاخبة . حتى بات المشاهد اللبناني على موعد يومي تلفزيوني تقف فيه القوى الأمنية في وجه شباب " الخندق " لمنعهم من الوصول الى خيم الحراك تارة ، ثم تعود هذه القوى الأمنية نفسها لتقف في وجه شباب الحراك الشعبي لمنعهم من إقتحام المجلس النيابي تارة أخرى . وفي كلا الحالتين تتعرض هذه القوى للرشق بكل ما تطاله الأيدي أو تتفنن بصناعته أو إستحضاره الطاقات الشابة الموجودة في كلا المعسكرين .

ويترجم الدوران السياسي في الحلقة المفرغة من خلال الإستمرار في تأجيل الإستشارات النيابية الملزمة ، التي شارك في طلب تأجيلها هذه المرة رئيس الحكومة المستيقلة سعد الحريري بعد أن وجد نفسه عائدا الى الرئاسة الثالثة بأكثرية نيابية ضئيلة قد تفقده بعض الميثاقية . و بعدما تخلى عن ترشيحه التيار الوطني الحر ، و خذله الحليف القديم حزب "القوات اللبنانية" وأقلع عن ترشيحه الى رئاسة الحكومة . وقد عاد رئيس المجلس النيابي نبيه بري الى ممارسة هوايته القديمة المتمثلة بالتوسط بين الرئاسات والجهات المتنازعة ، فكان ان نجح في حمل رئيس الجمهورية على تأجيل إستشارات يوم الإثنين في السادس عشر من الشهر الجاري الى يوم الخميس في التاسع عشر منه . ولكن الغداء الذي جمع رئيسي المجلس والحكومة يوم الثلاثاء الماضي في السابع عشر من كانون الأول قد يفضي الى حدوث تأجيل ثالث لهذه الإستشارات لالإفساح في المجال لعودة كريمة معززة للرئيس الحريري الى السراي الكبير لا ضعف فيها . وتبقى الأسئلة المتراكمة هي سيدة الموقف في حال تمت إعادة تكليف الرئيس الحريري في يوم إثنين أو خميس ما من الأيام والأسابيع القادمة ، وهي أسئلة تدور حول حكومة التكنوقراط أم الحكومة التكنو-سياسية التي اُختلف على ولادتها منذ بداية الأزمة .

لا يبدو أننا قد وصلنا الى نهاية النفق ، خصوصا إذا راجعنا التصريحات الأميريكية والصهيونية التي أطلقت في الأسبوعين الأخيرين على لسان مسؤلين أمريكيين كثر ، تعلق الآمال الكبيرة على تدهور الأوضاع اللبنانية التي ستنتج وفق أصحاب تلك التصريحات حصارا فاعلا ضد حزب الله ونفوذه السياسي والميداني على الساحة اللبنانية . وهذا ما قد يدفع بعض من في الداخل اللبناني الى المراهنة على الحركة السياسية الخارجية لتحسين أوضاعه السياسية الحالية . واللافت في هذا المجال ما قاله بعض ضيوف الشاشات اللبنانية من أن الأمريكان لم يعد يريدون سعد الحريري على رأس الحكومة اللبنانية ... وهذا ما يعاكس تماما الرغبة المعلنة والمجاهر بها من قبل دار الفتوى ومفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان أن الرئيس سعد الحريري هو المرشح الوحيد والأوحد للئاسة الثالثة في لبنان .

ايمن حجازي