أيمن حجازي

الدستور ... واﻷسس والمعايير

بقلم : ايمن حجازي

أشيعت أجواء التفاؤل بفعل الصيغة الحكومية التي قدمها الرئيس سعد الحريري ، ثم ما لبثت هذه اﻷجواء أن انحسرت لمصلحة اﻻشتباك السياسي المحتدم بين الرئيس المكلف والكتلة النيابية للتيار الوطني الحر ان لم نكن في صدد القول أن هذا اﻻحتدام بين الرئاستين اﻷولى والثالثة .فما كاد الرئيس الحريري أن يقدم الى الرئيس ميشال عون صيغته الهيكيلية الخالية من اﻷسماء والتي تقتصر على الحصص واﻷحجام ، حتى توالت اﻻنتقادات لهذه الصيغة والتي بلغت ذروتها بقول الناطق باسم كتلة لبنان القوي النائب ابراهيم كنعان بأن هذه الصيغة هي لرفع العتب ليس اﻻ ...

وذلك بعد أن امتنع الرئيس المكلف من اﻻستجابة لتطلعات رئيس الجمهورية حيال العقد المستعصية في وجه وﻻدة الحكومة العتيدة ، وفي مقدمها عدم منح اﻷمير طلال ارسلان المقعد الدرزي الثالث . علما أن صيغة الحريري المقدمة الى الرئيس عون لم تتضمن ( في توافر من معلومات ) منح الحزب التقدمي اﻻشتراكي المقعد الدرزي الثالث الذي قيل أنه سيمنح لشخصية درزية ليست بعيدة عن الرئيس نبيه بري . وهذا ما ﻻ يرضي الجانب الجنبلاطي الذي يصر على الحصول على كامل التمثيل الوزاري الدرزي في الحكومة العتيدة المقبلة . ويبدو أن الحلحلة في الصيغة المقدمة من قبل الرئيس المكلف قد اقتصرت على حل العقدة المارونية التي يمكن أن تكون قد سويت من خلال منح حزب القوات اللبنانية أربعة مقاعد وزارية بينها وزارتين " وازنتين " بعد التخلي عن مطلب حزب " القوات " عن الوزارة السيادية أو عن موقع نائب رئيس الحكومة الممنوح له في حكومة تصريف اﻷعمال الحالية . أما العقدة الثالثة الكامنة في تمثيل النواب السنة غير المنتمين الى تيار المستقبل فانها بقيت من دون حل ولم تلبي صيغة الحريري تطلع الرئاسة اﻷولى نحو تمثيل هؤﻻء النواب في الحكومة المقبلة . هل اقتصر اﻷمر على توجيه تهمة رفع العتب الى الرئيس الحريري الموجهة من كتلة لبنان القوي ونجمه اللامع النائب ابراهيم كنعان ؟

كلا ، بل ان المديرية العامة لرئاسة الجمهورية أصدرت بيانا, تحدثت فيه عن صيغة مبدئية طرحها الرئيس المكلف سعد الحريري وأبدى رئيس الجمهورية ميشال عون ملاحظاته عليها مؤكدا على أهمية اﻷسس والمعايير التي وضعها الرئيس في عملية تشكيل الحكومة . وهذا ما أثار حفيظة رؤساء الحكومات السابقين نجيب ميقاتي وتمام سلام وفؤاد السنيورة الذين تداعوا الى اﻻجتماع في بيت الوسط مؤكدين على صلاحيات الرئيس المكلف الذي نص عليها الدستور ومستغربين الحديث عن أي مهلة ما يمكن أن تحدد لرئيس الحكومة كمهلة للتشكيل الحكومي .

وهذا ما اعتبر استنفارا سنيا في وجه محاولة لتجاوز صلاحيات رئاسة الحكومة من قبل التيار الوطني الحر وحتى من قبل الرئاسة اﻷولى . وفتح الباب واسعا أمام تحول اﻷزمة الحالية من معضلة تشكيل حكومة الى أزمة وطنية ذي بعد طائفي لها نتائج سلبية كبرى على مجمل الوضع اللبناني الحالي . اﻻ أن ما يخفف من حدة اللحظة السياسية الراهنة هو تأكيد مشترك من قبل الرئاستين اﻷولى والثالثة بأن اﻷمور مفتوحة على التفاوض , وذلك على الرغم من ورود تسريبة من قبل الرئيس الحريري بأنه لن يقدم أي صيغة حكومية جديدة ما لم يلجأ الوزير جبران باسيل على تقديم خطوة حلحلة مطلوبة على صعيد تشكيل الحكومة القادمة .

انه تطور قد يصبح طبيعيا في المدة الزمنية التي تتطلبها وﻻدة الحكومات في لبنان ، ففي حكومات ما قبلى اتفاق الطائف كان متوسط المدة المطلوبة حوالي الشهر وكذلك اﻷمر في مرحلة ما قبل ال 2005... ولكن التالي من الزمن فان هذه المدة قد تضخمت بسبب كبر المسافة التي باتت تفصل الفرقاء عن بعضهم البعض وبات الوطن ينطوي حقيقة على صيغة بائسة لفيدرالية طوائفية ممزوجة بلعنات الغباء واﻻنقسام الانتحاري الحاد الذي ﻻ يعرف للتسويات سبيلا اﻻ بشق اﻷنفس أو بتدخل جراحي من الخارج .