العدد 1436 / 11-11-2020
ايمن حجازي

كيف هي الحالة الحكومية ؟ وكيف هي المحاورات الجارية بين رئيسي الجمهورية والحكومة ؟ ووفق أي مسارات تسير الأمور على هذا الصعيد ؟ أسئلة تطرح في الساحة السياسية اللبنانية في هذه المرحلة .

لقد أوجدت ثورة 17 تشرين الأول 2019 شعار حكومة المستقلين بما يعني التمرد على القوى السياسية المتنفذة في برلمان 2018 والتي تنتمي بمعظمها الى معسكر الثامن من أذار . وقد تلقف حزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي اﻹشتراكي هذا الشعار وتم تبنيه من قبلهما ﻷنهما باتا يعتبران نفسيهما طرفين مغبونين داخل حكومة الرئيس الحريري التي شكلت إثر إنتخابات ربيع 2018 . إلا أن حكومة الرئيس حسان دياب ، وإن هي أبصرت بلا أسماء حزبية فاقعة ، فإنها لم تخرج عن كونها حكومة تمثيل سياسي غير مباشر جمعت كادرات وإختصاصين من أصحاب اﻹنتماءات السياسية الباهتة .

ومع وقوع إنفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب الماضي ، قويت المطالبة بحكومة حيادية واتخذت طابعا دوليا حاسما مع دخول الرئيس الفرنسي ماكرون على خط اﻷزمة اللبنانية بشكل مباشر وتأييده لمطلب الحكومة الحيادية والوزراء اﻷخصائيين . وباتت قوى اﻷكثرية النيابية الحالية غير قادرة على رفض هذا المطلب الذي نبت على ضفاف الثورة وتم تدويله أميريكيا وفرنسيا . وقد قبل بهذا المطلب جميع من حضر على مائدة قصر الصنوبر التي جمعت القوى السياسية اللبنانية الرئيسية الممثلة بالبرلمان اللبناني مع الرئيس الفرنسي آنذاك .

ولكن الترجمة العملية لما تم اﻹتفاق عليه في قصر الصنوبر إصطدم بالواقع ، لدى بدء العمل على إختيار رئيس مكلف كان اسمه مصطفى عبد الواحد ، الذي ما لبث أن رفع الرايات البيضاء وأعلن إستسلامه وفشله في تشكيل حكومة المبادرة الفرنسية العتيدة . ودارت الدوائر وعاد البلد بمرشح" طبيعي " إسمه سعد الحريري وبمعطيات " طبيعية " تستجيب للتمثيل السياسي القائم النابع من ميزان القوى النيابي مع تغليف كل ذلك بالحيادية واﻹختصاص في إختيار أصحاب المعالي من الوزراء . فكيف تم ذلك ؟ وما هي مظاهره ؟

أولا : إقرار الرئيس الحريري بالعودة الى تمثيل القوى السياسية النيابية الرئيسية وفي مقدمها الثنائي الشيعي والحزب التقدمي اﻹشتاركي وتيار المردة ...لا بل التسليم بجعل وزارة المالية من حصة الثنائي الشيعي .

ثانيا : عودة رئيس الحزب التقدمي اﻹشتراكي وليد جنبلاط الى المطالبة المباشرة بتمثيل وازن وجدي للدروز ، والمطالبة غير المباشرة بالحصول على كامل الحصة الوزارية الدرزية في الحكومة المقبلة . وبذلك تكون الحيادية كمطلب " ثوري " قد تبخرت في الحيز الطائفي الدرزي .

ثالثا : بالنسبة لحزب القوات اللبنانية ، بات الجميع يعلم أن إنكفائه عن المشاركة في الحكومة المقبلة ليقينه أن التيار الوطني الحر ورئاسة الجمهورية لن يعطيانه الحد اﻷدني من المساحة المطلوبة في التمثيل السياسي وفي الحصة اﻹدارية التي تتلاءم مع حجمه النيابي الحالي . ما يدفع برئيس الحزب سمير جعجع الى البقاء خارج الحلبة الحكومية وممارسة الدور المعارض الذي يشتهيه الكثيرون في هذه المرحلة الصعبة من تاريخ لبنان .

رابعا : إضمحلال تأثير حركة الثورة في الشارع اللبناني بعدما تخلت عنها القوى الكبرى الممثلة بالحزب التقدمي اﻹشتراكي ، حزب القوات اللبنانية و تيار المستقبل ... ولم يبقى في الميدان إلا قوى اليسار السابق وما يسمى بهيئات المجتمع المدني التي ترتبط غالبا بمؤسسات أوروبية وأميركية مختلفة . وهذا ما أضفى مزيدا من الضعف على شعار الحيادية واﻷخصائية المشار اليهما آنفا . وجعل اللعبة الحكومية الحالية لا تبعد عن التقليد الوشى بشيء من شعارات الثوار الذين أطفأوا الشمعة الأولى من عمر ثورتهم بحزن وكآبة .

قد يستغرب البعض أن كل هذه الثرثرة السياسية لم تأتي على ذكر جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر الذي كان خلال اﻷسبوع الماضي عرضة لعقوبات معلنة من قبل وزارة الخزانة اﻷمريكية وذلك أمر طبيعي حيث المشهد المحلي يتطلب التدقيق به بمعزل عن المؤثرات الصوتية الصاخبة المتصلة بالبطولات المتنوعة . وكل مواقف الساسة اللبنانيين هي من صنف البطولات وكل أصواتهم طافحة باﻷهازيج وكل مواجهاتهم يجب أن تلقى التضامن الصادق والجدي خصوصا إذا كان الخصم متوحش كالولايات المتحدة اﻷميركية وحتى لو كان السياسي اللبناني المستهدف صاحب إشكالات متشعبة كجبران باسيل .