العدد 1479 /22-9-2021

استمر نجيب ميقاتي توفيقيا بين المعسكرات اللبنانية المتناحرة ، فلم يعترض على إستقدام المازوت الإيراني بما قد يؤدي الى فرط التفاهمات المنجزة مع حزب الله وحلفائه . وفي المقابل فإن رئيس الحكومة الجديد لم يترك نادي رؤساء الحكومات السابقين وحلفائهم من اليمين المسيحي المتطرف ينتحبون لوحدهم على إنتهاك السيادة اللبنانية من جراء دخول صهاريج المازوت الممانع الى وطن الأرز الأبي المتعطش الى كافة أنواع الوقود والفيول . وقد ظهر ميقاتي على شاشة (السي أن أن) وهو يعرب عن حزنه على إنتهاك السيادة اللبنانية ، وعن إرتياحه لأن الأمريكيين والغرب عموما قد كبروا عقلهم ولم يتصدوا لباخرة النفط الإيرانية التي حطت رحالها في مياه بانياس السورية . وقد أبقى الميقاتي من خلال ذلك الموقف المتوازي على خطوطه مفتوحة مع الجميع .

وهذا ما يشكل عنوانا عريضا لما يمكن ان يكون عليه سلوك حكومة الرئيس ميقاتي السياسي في الأشهر القليلة المقبلة التي تفصلنا عن الإنتخابات النيابية المفترض إجراؤها في الربيع المقبل ( إن قدر الله ذلك ) . ويبقى على الرئيس الجديد للحكومة مهمات شتى تتصل بمعالجة القضايا الشائكة للمواطن اللبناني من كهرباء ووقود وغلاء فاحش وإنهيار مدمر في سعر العملة الوطنية اللبنانية التي تهاوت في منحدرات سحيقة . وفي حال تمكنت الحكومة الجديدة من بلسمة بعض هذه الجراح الأليمة التي يعاني منها المواطن اللبناني ، فإن أمامها إستحقاق سياسي كبير وهائل متمثل بالإنتخابات النيابية والإنتخابات البلدية التي يحين أوانهما بعد بضعة أشهر . وما يلي ذلك من إنتخابات رئاسية صعبة التحقق والمنال . ويلاحظ في هذا الإطار أن معظم القوى السياسية اللبنانية تلتزم الصمت والحذر حيال هذا الإستحقاق ، ما خلا حزب القوات اللبنانية الذي يمني رئيسه النفس بتكبير حجم كتلته النيابية وتعديل ميزان القوى السياسي في البلد لتصبح الأكثرية النيابية في قبضة معسكر قدامى الرابع عشر من أذار وأركانه السابقين . وهو في هذا السياق يدعو منذ أمد الى إنتخابات نيابية مبكرة حتى يتم تأديب خصومه المسيحيين وغير المسيحيين عبر صناديق الإقتراع وبطريقة ديموقراطية دستورية سليمة .

لم يتحدث أحد حتى الآن في القانون الإنتخابي المعتمد ، وهو قانون هجين يجمع ما بين القانون الأرثوذكسي وغيره من القوانين التى تعتمد النسبية المتزحلقة على أنوف الناخبين الموزعين على دوائر إنتخابية ذي طابع طائفي ومذهبي يترواح ما بين التداخل والتمازج ، وما بين الصفاء والنقاء كما هي الحال في دوائر كسروان وجبيل والمتن وصور وبنت جبيل والنبطية والضنية وطرابلس ...

لا يوافق تيار المستقبل وحركة أمل والحزب التقدمي الإشتراكي على قانون الصوت التفضيلي ، وهم كانوا يبيتون النية للإنقلاب على هذا القانون منذ أمد ولكن الفرصة لم تسنح . ويقف حزب الله متعاطفا مع مشاعر النقمة على هذا القانون ولكنه غير معني بخوض أي معركة تربك تحالفاته المتضاربة وفي طليعتها التحالف المكتئب مع حركة أمل والتيار الوطني الحر الذي أتعب هذا الحزب ودفعه في مرات عديدة الى بذل جهود مضنية للتوفيق ما بين الحليفين اللدودين . وفي المقابل يتوافق الفريقين المسيحيين اللدودين أيضا ( حزب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر )على التمسك بقانون الصوت التفضيلي ويؤكدون ان التراجع عن هذا القانون غير وارد وهو خط أحمر مسيحي تباركه جهات كنسية شتى .

وقد بات الحديث عن البحث بأي تعديل ولو جزئي في مواد ذلك القانون بمثابة دعوة الى تأجيل الإنتخابات ، وهو ما يعتبر تهربا من مواجهة الإستحقاق الجماهيري ودعوة لمعاندة الإرادة الغربية الدولية التي ستقدم على إدانة كل طرف لبناني يتورط في العمل أو السعيلتأجيل تلك الإنتخابات النيابية الجليلة.

إنها مهمة شاقة ملقاة على عاتق الرئيس الميقاتي ، وهو يدرك أن حكومته تكاد تكون حكومة إجراء إنتخابات نيابية وحسب . وقد قيل أن كل ما يمكن ان يتاح للحكومة من فرص ، هو من قبيل التمهيد لإنجاح الإنتخابات النيابية التي يجب أن تنتج ميزان قوى نيابي جديد يرضي العواصم الغربية التي تتحرق من أجل مكافحة الفساد في بلادنا الغالية على قلوب الأوروبيين والأميريكين . ولكن لا ضير في حسابات تلك العواصم إن تم إنعاش وتمرير بعض الأهداف الفرعية الكبرى المتصلة بأمن إسرائيل وسلاح المقاومة اللبنانية وإقتسام النفط والغاز بين شركات النفط العملاقة الطامحة الى الإستحواذ على موارد الطاقة في هذه المنطقة من العالم .

لقد تم اختيار الرئيس ميقاتي للمرة الأولى في عام ٢٠٠٥ إثر إغتيال الرئيس رفيق الحريري في حكومة إنتخابات أنجزت مهمتها على أكمل وجه . فهل كانت إعادته اليومالى سدة الرئاسة الثالثة من أجل إنتخابات الربيع القادم . لا شك أن في الأمر مبالغة ما .

أيمن حجازي