العدد 1477 /8-9-2021

ما زال اللبنانيون يتابعون العرض المسرحي السياسي المتنوع والمتعلق بتشكيل الحكومة العتيدة ، حيث تسود حالة من التأرجح والإضطراب وتترواح التوقعات بين التفاؤل والتشاؤم . والجميع ينتظر تصاعد الدخان الأبيض من مدخنة بعبدا التي باتت وبشكل دوري تضخ الجرعات الإعلامية الإيجابية عل ذلك يبعد تهمة التشنج عن مواقف الرئيس ميشال عون وفريقه السياسي ممثلا بالتيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل . وباتت منصات التسعير اليومي للدولار تتأثر بهذه الإيجابيات ما أدى الى كبح جماح التصاعد في العملة الخضراء الذي كان سائدا في مرحلة إعتذار الرئيس سعد الحريري وما تلاها من ارتفاع جنوني تجاوز فيه الدولار الواحد سقف العشرين الف ليرة .

وتبدو التفاصيل الخلافية بين الفرقاء مدهشة وساخرة في بعض الأحيان وهي باتت ( في ما هو معلن) متعلقة بالتنافس على الوزارات الخدماتية التي تدر أرباحا إنتخابية كبيرة مثل وزارة الشؤون الإجتماعية التي ستوضع في عهدتها البطاقة التمويلية الطيبة الذكر التي يعلق عليها الساسة والقادة آمالا عراض في الميدان الإنتخابي الذي قد يأون آوانه المفترض في الربيع المقبل . كما ان إقتسام الحصص باتت عملية تعتريها صبيانية وتفلت من المعايير الأخلاقية . خصوصا عندما يتم اللجوء الى ألاعيب لإخفاء الإنتماءات الحقيقية لبعض الوزراء بغية إستخدامهم كعناصر تحكم بالأكثرية داخل مجلس الوزراء . وباتت هذه الصبيانية تفضح جشعا سياسيا مدانا ومستنكرا لأنه يأتي في وقت صعب ومأساوي يعيشه الشعب اللبناني الذي يزيد الفراغ الحكومي من حدة أزماته الحياتية والإجتماعية والصحية والتربوية حيث المجاعة باتت واقعا قريب الأجل . أما إنفلات الأمن الغذائي والصحي فإنه يطبع المرحلة ويهدد بإشتعال حالات الإحتراب الأهلي المدمر الذي قد ينشب تحت عناوين طائفية ومذهبية ومناطقية وجهوية شتى ... وهذا ما شهدناه في العديد من القرى والبلدات الشمالية والجنوبية والبقاعية والجبلية بشكل خطر .

وتبرز في هذا السياق مفارقات مستجدة حيث يلاحظ أن التيار الوطني الحر يعلن انه لن يمنح الحكومة المقبلة ( إن كتبت لها الحياة ) الثقة ، وأنه لن يشارك فيها وأن الوزراء الذين سيسميهم الرئيس ميشال عون سيتم " إستيرادهم من خارج هذا التيار أوأنهم قد يمثلون الصليب الأحمر اللبناني او الدولي " حيث يتم إنتزاع الصفة السياسية التبعية عن هؤلاء الوزراء المفترضين .

هذا في حين يعلن تيار المستقبل بأنه سيمنح الحكومة الثقة دون أن يتمثل فيها ... وفي ذلك مفارقة كبرى يهدف من خلالها التيار الوطني الحر الى إضعاف الرئيس ميقاتي خلال أدائه لمهماته على رأس الحكومة ، كي يحافظ على الواقع المضطرب الذي كانت تعيشه حكومة الرئيس سعد الحريري والتي كان يقال أنها حكومة برأسين . اما عن الثقة التي يقال أن تيار المستقبل سيمنحها ، كما ورد آنفا فإنها تهدف الى تحميل الرئيس عون وجبران باسيل مسؤولية العرقلة في التشكيل وأثناء التأليف وإبان ممارسة هذه الحكومة لمهامها المستقبلية ( إن قدر لها الولادة والحياة ) . ولقد أدى هذا الواقع المشوش الى إرتباك المراقبين السياسيين وتدهور توقعاتهم السياسية وتنبؤاتهم المستقبلية . واحتار معظم مالكو المبالغ المتواضعة من الدولارات في مآلاتهم ... هل يتفاءلون ويحولون ما لديهم الى العملة اللبنانية أم يبقون على تشاؤمهم وقلقهم ويخبأون حفنة الدولارات المحجمة التي يمتلكونها تحت الوسادة الخالية من أي حلم جميل تم دوسه تحت أقدام أمراء الحرب اللبنانية المستمرة الذين فرضت عليهم الظروف المختلفة التخلي عن المدافع والبنادق ... الى آجال لاحقة .

أيمن حجازي