العدد 1401 / 19-2-2020

إنجلى الإحتفال بذكرى الرابع عشر من شباط هذا العامعن تموضع أكثر وضوحا لتيار المستقبل في الساحة السياسية اللبنانية وذلك في ضوء التطورات الحاصلة في البلد منذ ستة أشهر . وجاءت المطالعة الأساسية في ذلك الإحتفال دفاعية - هجومية في آن واحد سواء كان ذلك في مضمون الكلمة التي ألقاها الرئيس سعد الحريري أو من خلال المادة الإعلامية التي تم إعدادها وبثها أمام الجمهور المحتشد في تلك الذكرى . وقد كان الخيار متجها الى مواجهة مركزة على رئيس التيار الوطني الحر الذي حُمل من قبل الرئيس الحريري مسؤولية الخلل الكبير في العمل الحكومي أيام الحكومة السابقة ، والذي حُمل أيضا مسؤولية الإضرار بالعلاقة ما بين الرئيسين عون والحريري من خلال الدور " التخريبي " الذي لعبه بين الرئاستين .

وقد أطلق الحريري على رئيس التيار الوطني الحر تسمية " رئيس الظل " ساعيا الى تحييد الرئيس ميشال عون من هجومه الدفاعي الذي طبع احتفال المسقبل . وذلك بعد أن وجد الرئيس السابق للحكومة أن اللجوء الى مصطلح " الحريرية السياسية " في ذكرى الحريري الأب ، أمرا مجديا في رد الهجمات المتنوعة التي تعرض لها في الآونة الأخيرة من مصادر متنوعة في مقدمها التيار الوطني الحر . وكان الحديث عن قطاع الكهرباء مركزا في المادة الإعلامية المبثوثة ، لكونه كلف المديونية العامة أعباء متواصلة في العقدين الأخيرين من الزمن ولان الجهات التي تولت أمور وزارة الطاقة لم يكن منها تيار المستقبل أو أي من حلفائه المقربين .

وقد لوحظ أن الرئيس الحريري تجنب الإشتباك مع حزب الله في إستمرار وتواصل للهدنة غير المعلنة بين الجانبين ، حيث لا تعتبر " النكزات " التي وجهت الى حزب الله في ذلك الإحتفال خرقا للهدنة المشار اليها آنفا . وقد تولى الرئيس الحريري إرسال إشارات تناغم وتحالف واضحة مع الحزب التقدمي الإشتراكي وزعيمه وليد جنبلاط ، مع تسجيل برودة نسبية خيمت على العلاقة مع حزب " القوات اللبنانية " وفي ظل إشارات إيجابية أُطلقت بإتجاه تيار المردة وزعيمه سليمان فرنجية . ولا يمكن في هذا الخضم إلا أن يشار الى الهدوء الإيجابي القائم ما بين الرئيسين الحريري وبري والذي تجسد مؤخرا في عدم مقاطعة تيار المستقبل لجلسة الثقة بحكومة الرئيس حسان دياب وبالتالي المشاركة في تأمين نصاب تلك الجلسة بغية عدم تعطيل الحياة الدستورية . والتأكيد على استمرار لجوء تيار المستقبل الى أسلوب المعارضة البرلمانية الى جانب الأساليب الأخرى المعتمدة في التعبير عن المواقف السياسية المعارضة . وتبرز هنا العلاقة المفترضة ما بين تيار المستقبل والحراك الشعبي ، حيث برزت مشاركة لافتة لجماهير وأنصار الرئيس الحريري في فعاليات الحراك الشعبي في الآونة الأخيرة . وهذا ما قد يقود الى الإستنتاج أن الحراك الشعبي يمثل في أحد أبعاده أداة ضغط من قبل الرئيس الحريري على خصومه الذين أرادوا تحجيم دوره الحكومي السابق ومن ثم إخراجه من الحكم .

... إذا من الفروقات الظاهرة بين إخراج الرئيس الحريري من السلطة في مطلع عام ٢٠١١ وبين إخراجه أو خروجه منها في نهاية عام ٢٠١٩ ، كان بقاء الرجل في البلد ودفاعه عن موقعه السياسي بكل ما أوتي من قوة . في حين كان خيار الحريري في مطلع عام ٢٠١١ مغادرة البلاد والبقاء خارجها لفترة طويلة من الزمن .

أيا تكن ردة فعل جبران باسيل على مطالعة الحريري الهجومية ضده في إحتفال الرابع عشر من أذار ، فإنها لم تكن حادة وقد تضمنت من خلال تغريدة على مواقع التواصل الإجتماعي توقعا بعودة التضامن الوطني بين الجانبين في قابل الأيام ، حيث لا تستقيم ولادة الحلم الرئاسي المتوخى لدى جبران باسيل مع قطيعة دائمة مع القوة الأساسية للمكون السني اللبناني المتمثلة بتيار المستقبل .

ثمة أمر ملفت في احتفال الذكرى المشار اليها ، وهو ما كشفه الدكتور رضوان السيد في مقابلة تلفزيونية من أن إشتباكات الشارع التي واكبت إحتفال بيت الوسط كانت بين أنصار الرئيس سعد الحريري وبين أنصار شقيقه بهاء الذين قصدوا ضريح الرئيس رفيق الحريري دون التوجه الى إحتفال بيت الوسط ... ما يشكل مؤشر على ولادة معطى سياسي جديد في ساحة تيار المستقبل تم تأكيده من خلال البيان الصادر عن بهاء الحريري متجاهلا تجاهلا تاما للرئيس سعد الحريري ولإحتفاله القائم في بيت الوسط . وتلك معضلة يمكن التوقف عندها لاحقا بغية معاينتها بموضوعية دون تجاهل ، ولا تضخيم عادة ما يلجأ اليه خصوم تيار المستقبل وأعداء الحريرية السياسية الشهيرة .

ايمن حجازي