العدد 1446 /27-1-2021

من الذكاء الخارق لبعض المحللين السياسيين اللبنانيين أن ربطوا حلحلة اﻷزمة السياسية اللبنانية الحالية وتحديدا تشكيل الحكومة العتيدة بإجراء اﻹنتخابات اﻷميريكية . ومن ثم انتقل هذا الربط الى موعد العشرين من كانون الثاني الجاري والذي كان موعدا للتسلم والتسليم بين السلف والخلف في البيت اﻷبيض اﻷميركي . ويبالغ بعض السذج من المشتغلين بالشأنين السياسي واﻹعلامي كي يخلص الى استنتاجات متشعبة ، إرتكازا الى مفرادات تفصيلية تحدث في العاصمة اﻷميريكية أو غيرها من دول العالم مع إشاحة النظر عن كل ما هو محلي داخلي في أزمتنا الخانقة . وهذا إتجاه في السذاجة اﻹعلامية والسياسية يعاكس توجه الذين كانوا يحصرون تناول اﻷزمة اللبنانية إنطلاقا من معطياتها و تفاصيلها المحلية الداخلية.

اين أصبحت أزمتنا الحالية في شقها المحلي الذي يضج ويعج بالحسابات الدقيقة والمعقدة بين الطوائفوالمذاهب ، وبالحسابات الكئيبة داخل كل طائفة من الطوائف وكل مذهب من المذاهب ؟

لقد حاول البعض إضفاء طابع الخلاف الثنائي بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري على اﻷزمة اللبنانية في طورها الحالي ، وغاب عن أذهان البعض أن التنازع السياسي بين الرئاستين اﻷولى والثالثة ما هو إلا إختصار واختزال مشوه للصراعات المتشعبة في الميدان السياسي والطائفي الذي يتمظهر داخل التحالفات السياسية وخارجها :

- خلاف عميق بين التيار الوطني الحر وحركة أمل قوامه أن الطرف اﻷول يعتبر أن الرئيس بري مرتكز أساسي من مرتكزات مرحلة 1990 - 2005 حيث كاتت حقوق المسيحيين مهضومة ومبتلعة ... حتى على مستوى التمثيل النيابي حيث كانت أمل تصادر عددا لا بأس به من المقاعد النيابية المسيحية . وفي المقابل فإن أمل تعتبر نفسها معنية بالتصدي لعدم العودة الى نظام اﻹمتيازات المارونية .

- خلاف عميق آخر بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر متعلق في جزء كبير منه بالصلاحيات الرئاسية وبالتجاذب السني - الماروني الذي أطاح بالتفاهم السني - الماروني الذي ولد في عام 1943 . هذا في الوقت الذي يعتبر فيه أنصار العماد ميشال عون ان تيار المستقبل قد هيمن على ساحة معسكر الرابع عشر من أذار منذ عام 2005 وتحت وطأة دماء الرئيس رفيق الحريري . وذلك في مقابل الشكوى من نزعة التعجرف والعنجهية الذي يتمتع بها جبران باسيل في هذه المرحلة على وجه التحديد .

- خلاف عميق بين الزعامة الجنبلاطية والتيار الوطني الحر ( الذي بات سيد الخلافات ) ، إستنادا الى صراع درزي - ماروني في الحرب والسلم ، والذي كانت آخر فصوله في مرحلة النفوذ السوري في تسعينات القرن الماضي . وما نشهده منذ بداية العهد الحالي ، ما هو في اعتقاد الجنبلاطيين إلا تشف وتنكيل عوني بالحزب التقدمي اﻹشتراكي وذلك من خلال دعم المعارضين الدروز في مواجهة وليد جنبلاط .

- صراع محتدم على الزعامة المارونية والمسيحية بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية . وقد طحن هذا الصراع المحتدم إتفاق معراب وغيره من محاولات التفاهم بين الجانبين وسقطت العديد من التفاهمات على مذبح هذا الصراع .

- تناقض قديم جديد على العديد من الخيارات السياسية الكبرى بين حزب الله وحزب القوات اللبنانية ، وهو تناقض يشابه تناقض آخر بين حزب الله وتيار المستقبل وباقي أطراف معسكر الرابع عشر من أذار ... ما يدفع بحزب الله الى التشبث بالتحالف الشاهق بين حزب الله والتيار الوطني الحر حيث تتصاغر كل التناقضات التفصيلية أمام رسوخ الخيارات اﻹستراتيجية الكبرى المتصلة بالصراع العربي - اﻹسرائيلي في حسابات حزب الله ، والمتصلة بالصراع الطائفي السياسي المحلي لدى التيار الوطني الحر .

إن جملة هذه الخلافات والصراعات في نسخها واعتباراتها المحلية في تعقيد اﻷزمة اللبنانية في طورها الحالي ، وتسهم في تعقيد التشكيل الحكومي فضلا عن الأبعاد الشخصية السلبية التي تتفاقم على هامش الصراعات السياسية المشار اليها . ونحن في لبنان من أصحاب الجد واﻹجتهاد في تعميق خلافاتنا وتناقضاتنا السياسية حين تدعو الحاجة .

أيمن حجازي