أيمن حجازي

تنهمك القوى السياسية اللبنانية في التحضير الهادئ للانتخابات النيابية المقرر اجراؤها في شهر أيار من العام القادم 2018، وهي تنكبّ أوﻻً على محاولة استيعاب القانون اﻻنتخابي الجديد وفهمه داخل أطرها الخاصة ومن ثم اﻻنتقال نحو الإعداد السياسي واللوجستي والمالي للمنازﻻت الكبرى التي ستشهدها الساحة اللبنانية في حال سماح الظروف واﻷجواء بإجراء تلك اﻻنتخابات الموعودة. وهذا ليس تشكيكاً بجدية التوجه الرسمي نحو إجراء اﻻستحقاق اﻻنتخابي المؤجل من ربيع عام 2013، ولكنه مماشاة ومجاراة لبعض المتشائمين والمشككين بحدوث اﻻنتخابات في واقع إقليمي ملتهب يحدق بالساحة اللبنانية المصابة بهشاشة استقرارها. 
ويفصلنا عن اﻻنتخابات العامة المقررة في ربيع العام القادم انتخابات فرعية يفترض أن تجرى خلال شهرين في قضاءَي كسروان وطرابلس، لملء الفراغ في مقاعد نيابية ثلاثة، أولها للجنرال ميشال عون الذي انتقل الى سدة الرئاسة اﻷولى، وثانيها للنائب الرحل بدر ونوس، وثالثها للنائب المستقيل روبير فاضل.
ويثور السؤال الكبير على مستوى التحالفات حول علاقة التيار الوطني الحر بتيار المستقبل، وحول علاقة التحالفات اﻻنتخابية بالتمحور السياسي الذي كان قائماً بين قوى كل من معسكري الرابع عشر والثامن من آذار. ففي اﻻجابة عن السؤال الكبير اﻵنف الذكر تتوافر الكثير من المعطيات المتعلقة بالعديد من المعارك اﻻنتخابية الموعودة في كثير من الدوائر.
ويمكن المتتبع للعلاقة بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر أن يسجل اﻻيجابية الكبيرة الواضحة والملموسة منذ اﻻنتخابات الرئاسية التي أوصلت العماد ميشال عون الى قصر بعبدا والتي تصاغ عبر ثنائية قوامها وزير الخارجية ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، ورئيس مكتب الرئيس سعد الحريري نادر الحريري. وهي ثنائية أثبتت فعاليتها المميزة، فالرجلان كل من موقعه قادر على حلحلة العقد والمصاعب وعلى تسويق الحلول والطروحات لدى مرجعياتهما. وﻻ يضاهي هذه الثنائية اﻻ ثنائية وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق ورئيس لجنة اﻻرتباط والتنسيق في «حزب الله» الحاج وفيق صفا اللذين برعا في تدوير الزوايا واخضاع كافة المعضلات اﻷمنية الشائكة والعالقة بين الفريقين للمعالجة  الدقيقة والسليمة. وقد باتت البلاد ترزح منذ الخريف الماضي تحت هذه الثنائية المزدوجة التي تزدان بها الساحة اللبنانية. وتكمن اﻷهمية البالغة لهذه الثنائية المزدوجة في أنها باتت قادرة على عزل الحجم الكبير من الخلافات السياسية بين هذه اﻷطراف السياسية اﻷربعة وحلفائهم، واﻻنصراف الى تنمية العمل على قواسم مشتركة محلية تفسح في المجال أمام استقرار لبناني نسبي يحول دون انهيار الوضع اللبناني أو انفجاره. فهل يمكن أن تنسحب  هذه القواسم المشتركة على خريطة التحالفات اﻻنتخابية القادمة أم أن التمترس السياسي المنطلق من المعسكرات السابقة سيفرض نفسه مجدداً بأقل قدر  ممكن من التوتر السياسي المفترض؟ ونحن أمام نموذج واضح في صياغة التعايش بين المختلفين في السياسة حيث يرصد الجميع بشكل صارخ حجم الهوة الكبيرة التي تفصل بين اﻷطراف المشاركة في الحكومة الحالية حول الصراعات الإقليمية الساخنة التي يجاهر حيالها تيار المستقبل بالميل الى الموقف السعودي فيما يطلق اﻷمين العام لحزب الله المزيد من المواقف المضادة للسياسة السعودية والمتلاحمة مع السياسة الإيرانية، دون أن يفسد ذلك في الود قضية. حمى الله جبران ونادر ونهاد ووفيق وسدد خطاهم، فالبلد أمانة بين أياديهم... رفقاً به... قصدت البلد.