العدد 1491 /15-12-2021

بات من الصعب توصيف الوضع اللبناني بالإنهيار ، في ظل التفسخات العامودية والأفقية التي تصيب بنيان السلطة اللبنانية وتطفو على السطح في كل يوم وليلة . وكانت آخر فصول هذه التفسخات الخلاف حول إنعقاد مجلس الوزراء بين الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي . حيث يعتقد الأول أن هذا المجلس يجب أن يدعى الى الإنعقاد حتى لو حصلت مقاطعة من قبل ثنائي أمل - حزب الله . فالرئيس عون يرى ضرورة بالغة لإنعقاد ذلك المجلس ، في الوقت الذي يعتبر فيه الرئيس ميقاتي أن فقدان الميثاقية الوطنية سيرتد سلبا على مجمل الوضع الوطني اللبناني وليس على الوضع الحكومي فقط .

ومن الطبيعي ان ينطوي هذا الخلاف الإداري بين الرئيسين عون وميقاتي على خلاف أكبر وأعمق بين حلفاء الصف الواحد المكون للسلطة الحالية . وحيث يبرز الخلاف بين الرئيس عون والتيار الوطني الحر من جهة وثنائي أمل - حزب الله من جهة أخرى حول مآل التحقيق في انفجار مرفأ بيروت والمسار الذي يعتمده القاضي طارق البيطار والذي ينذر بإستهداف واضح لحركة أمل ومن خلفها حزب الله وذلك وفق تقويم ذلك الثنائي الشهير . وبديهي القول أن الخلاف بين حركة امل والتيار الوطني الحر لا ينحصر في هذا الموضوع ، بل إن جذوره تمتد الى ما قبل التسوية الرئاسية التي حصلت في صيف ٢٠١٦ بين الرئيسين ميشال عون وسعد الدين الحريري . وكان جليا في تلك المرحلة أن رئيس حركة أمل يفضل الزعيم الزغرتاوي سليمان فرنجية على ميشال عون كي يتبوأ موقع الرئاسة اللبنانية الأولى . وهذا ما ترك بصماته السلبية اللاحقة على العلاقات بين عون وبري في السنوات الخمس الماضية من عمر العهد الرئاسي الحالي . ويتضح من حركة الموفدين الدوليين الى لبنان أن البلد ما زال تحت وطأة المبادرة الفرنسية الذي قام بها الرئيس الفرنسي ماكرون وفتح من خلالها خطا مباشرا بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس نجيب ميقاتي تمثل بالإتصال الثلاثي الأضلاع الذي جمع بين ماكرون وبن سلمان وميقاتي . لقد نجحت تلك المبادرة الفرنسية الجزئية بتنفيس الإحتقان اللبناني السعودي دون أن يعني ذلك التوصل الى حل جذري لمعضلة العلاقات الثنائية بين بيروت والرياض ودون أن يؤدي كل ذلك الى حلحلة العقد السياسية المحلية التي يمكن إيراد بعضها وفق التالي :

- مصير القاضي طارق البيطار الذي يتولى قضية التحقيق بإنفجار مرفأ بيروت .

- قضية التحقيق بحادثة مستديرة الطيونة .

- قضية الإنتخابات النيابية من حيث موعدها المتأرجح بين شهري أذار وأيار ومن حيث بت موضوع تصويت المغتربين لنواب ستة أم لمئة وثمانية وعشرين نائبا .

هذا فضلا عن عشرات الملفات الخلافية التي تبدأ بالكهرباء ولا تنتهي بالبطاقة التمويلية والتي تمر حتما بمصرف لبنان وحاكمه الحالي ومصيره القضائي ، وحاكمه اللاحق ... إن قدر له أن يكون له حاكم لاحق .

الإنهيار والتفسخ هما عنوان واحد للوطن اللبناني الحالي ، حيث لا ينحصر هذا العنوان وترجماته المتعددة في بنية الأكثرية النيابية والحكومية بل يتسع ليطال القوى المعارضة التي كان معظمها ينضوي تحت لواء معسكر الرابع عشر من أذار .وهي قوى مفككة ومندحرة وقد بات جسمها الأساسي ممثلا بتيار المستقبل منكفىء عن الساحة السياسية وهو يلوح للداعمين المفترضين في المملكة العربية السعودية بمقاطعة الإنتخابات النيابية ما قد يجعل النفوذ السياسي السعودي في الشارع اللبناني غاية في الإضمحلال . حيث لا يبدو أن بهاء الحريري (الذي قد يعتبره البعض فرس رهان سعودي قادم ) قادر على إثبات حضوره وقدرته على أن يرث الرصيد الشعبي الشارعي لتيار المستقبل بزعامة سعد الدين الحريري .

الإنهيار والتفسخ هما الوجبة الطازجة التي يتناولها اللبنانيون في هذه المرحلة مع توابل الجوع والعتمة والوباء والعفن الإداري والسياسي المتفشي . فلا تكاد ترى أثرا للإنتخابات النيابية في أي من الساحات السياسية أو الطائفية أو المذهبية قبل بضعة أشهر من موعدها المفترض . وهذا دليل كاف على الحالة المرضية المستعصية التي يمر بها الوطن .

أيمن حجازي