العدد 1515 /8-6-2022

انقشع غبار المعارك الإنتخابية في الدوائر الإنتخابية كافة وفي رئاسة المجلس ومكتب هيئة المجلس ، وكان البعض قد تسرع في رفعشارات النصر قبل أن يصدم بحقائق ثابتة أكدتها جلسة إنتخاب رئاسة المجلس بتفاصيلها كافة . حيث أكد الرئيس نبيه بري أنه ما يزال الطرف الأقوى في بنيان السلطة اللبنانية ولكن هذه المرة برتبة متراجعة هي رتبة النصف زائد واحد بعد أن انقضى عهد منح رئيس المجلس شيكا على بياض من خلال حيازة بري على رقم إنتخابي لا يقل عن مئة صوت تكرست له إبتداء من عام ١٩٩٢ وصولا الى عام ٢٠١٨ ، حين تراجع مستوى تلك الأصوات الى ما دون المئة صوت بقليل . ولم يقتصر الأمر على مكانة رئيس المجلس الذي فاز بولاية مجلسية سابعة ، بل إن القضية تمس حسابات الأكثرية والأقلية داخل المجلس بما يؤثر سلبا وإيجابا على الخارطة النيابية القائمة في المجلس النيابي الحالي .

يبدو أن الأكثرية النيابية الحالية لزجة ومتحركة وفق اعتبارات موضوعية ، وليس وفق فرز عددي راسخ مثلما كان الحال لمصلحة قوى الثامن من أذار في مجلس ٢٠١٨ أو كما كان هذا الفرز ملائما لقوى الرابع عشر من أذار إبتداء من عام ٢٠٠٥ وحتى الخروج المؤقت لوليد جنبلاط من هذا المعسكر في عام ٢٠١١ . ويبدو أيضا أن زيادة كتلة نواب حزب القوات اللبنانية بأربع أو خمس مقاعد نيابية ليس كافيا لقلب الميمنة على الميسرة في المجلس النيابي . وحتى تراجع عدد نواب التيار الوطني الحر ليس كفيلا بشد الأكثرية النيابية نحو معراب .

لقد كان من الطبيعي ان يفرز حراك ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩ معطيات نيابية جديدة ، حيث وصل ثلاثة عشر نائبا الى الندوة النيابية في إنتخابات ١٥ أيار الماضي تحت عناوين الحراك الشعبي والثورة الشعبية . ووعد حزب القوات اللبنانية وحزب الكتائب اللبنانية نفسيهما باستيعاب هؤلاء النواب او قسما منهم وتجنيدهم في عملية تدعيم الموقف السياسي المجابه لحزب الله وحليفه التيار الوطني الحر . ولكن حساب الحقل لم يكن ملائما لحساب البيدر ، فالتغيريون كما يحبون أن يسموا أنفسهم لم ينجزوا عملية التفاهم الداخلي في ما بينهم ما جعل أداءهم النيابي في الجلسات الأولى عاجز عن مواكبة الحركة النيابية المتوخاة والهادفة الى إظهار حزب الله وحلفائه وكأنهم خسروا الإنتخابات النيابية بشكل واضح . ولكن الحقيقة تنطق بغير ذلك ، فالثنائي الشيعى حافظ وبتفوق على المقاعد الشيعية السبعة والعشرين و أفلح في الحفاظ على مقاعد بعض حلفائه وأخفق مع آخرين خصوصا حيث لا يوجد له نفوذ إنتخابي واضح . ولم يبقى لحزب القوات اللبنانية من نقاط قوة إلا في الإعتصام برفض حكومات الوحدة الوطنية والمشاركة فيها . وهذا ما قد يرغب به وبقوة بعض خصوم هذا الحزب ، الذين إن دعوا الى مشاركة حزب القوات في الحكومة فأنهم يهدفون الى نزع سلاح المواقف المعارضة من يد معراب في المرحلة المقبلة .

الحسابات إذا خارج إطار السعي الفعلي لإنقاذ الوضع اللبناني ، حيث يدور البحث حول إنقاذ الأنا السياسية والزعامية وتغيب الإعتبارات الجدية المرتبطة بالمصلحة الوطنية العامة . فالمواقف السياسية المتخذة تتحرك وفق حسابات الربح والخسارة في الإنتخابات الرئاسية القادمة على سبيل المثال لا الحصر او وفق الحسابات نفسها في تشكيل الحكومة القادمة .وهل ان هناك مصلحة سياسية خاصة بهذا الطرف أو ذاك بأن تتشكل ما حكومة ما في الأشهر القليلة المتبقية من عمر ولاية الرئيس ميشال عون أم أن الأربح هو ان تبقى حكومة تصريف الأعمال على قيد الحياة كي تكون جاهزة لملء الفراغ الرئاسي المفترض في تكرار محتمل لحكومة الرئيس تمام سلام في عام ٢٠١٤ ...

الحسابات السياسية الخاصة بالأطراف ، عادة ما تكون حسابات غير نظيفة ، اما الحسابات السياسية الكبرى المرتبطة بمصلحة الغالبية العظمى من اللبنانيين يجب ان تفرض نفسها على مائدة التفاوض بين الأطراف . وهي مائدة غائبة حتى هذه الساعة ... لا حوار بين الأطراف بل صراخ يرتفع كل من واديه البعيد عن الوديان الأخرى التي تتشارك جماهيرها بالجوع والوجع والألم والغلاء والبلاء والجهل والتخلف والبعد الدامي عن الديموقراطية التي تناساها الجميع ورفضوا ان يخضعوا لموجباتها المفروضة .

ايمن حجازي