العدد 1380 / 2-10-2019
أيمن حجازي

مع تعرّض الليرة اللبنانية الى ضغوط رفعت سعر صرف الدولار لدى الصيارفة بعيدا عن سعره الرسمي المحدد من قبل مصرف لبنان ، بدأ اللبنانيون يستعيدون صور نهاية الثمانينات التي كانت حافلة بالأزمات الإجتماعية من جراء هبوط الليرة وانحدارها في تلك الآونة من تاريخ الحرب الأهلية اللبنانية ، حتى وصل الأمر ببعض الإعلاميين والساسة اللبنانيين لاستحضار أحداث أيار ١٩٩٢ حين وصل سعر الدولار الى ثلاثة آلاف ليرة لبنانية ، ما أدى الى قيام تحركات إحتجاجية في الشارع سقطت بنتيجتها حكومة الرئيس الراحل عمر كرامي .

وعلى الرغم من أننا لا نزال في بداية ما يمكن أن يشكل أزمة نقدية تطول سعر صرف الليرة اللبنانية ، فان الملاحظ أن الأجواء السياسية في البلد قد ارتبكت وعادت علاقات القوى السياسية التي تتشكل منها الحكومة الى التوتر ... ولم تنقض مهلة شهر واحد على الخضة التي أحدثتها واقعة قبرشمون وتداعياتها السلبية الشهيرة . فكيف ظهر ذلك الإرتباك الذي تميز عن غيره من الإرتباكات السابقة ؟

... من كندا البعيدة عن أرض الوطن باشر رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل توجيه التهم الى فرقاء داخليين بالتآمر ، وقد وجد هذا الإتهام ترجمة مباشرة تطال أطرافا سياسية ممثلة في حكومة " الى العمل " وذلك في سياق تبرير وتعليل أسباب ودوافع الأزمة المالية الحالية . وقد بادرت بعض الرؤوس الحامية في التيار الوطني الحر ، وهذه المرة من داخل الحدود اللبنانية ، الى القول بقيام حلف سياسي واسع بغية إفشال عهد الرئيس ميشال عون . وقد وصل الأمر ببعض هؤلاء القوم الى القول ان إثنين من وزراء التيار الوطني الحر يمثلون ثقلا ثقيلا على العمل الحكومي ، دون أن ننسى أن الرئيس ميشال عون قد أجاب على أحد الأسئلة الصحافية وهو في طريق العودة من نيويورك الى بيروت إجابة لا تخلو من الغرابة وذلك عندما قال " ان الوضع المالي في البلد يجب أن يُسأل عنه وزير المال ... وأن الوضع النقدي في البلد يُسأل عنه حاكم مصرف لبنان " ، دون إلتفات الى أن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة هما المعنيان أولاً في توجيه الأسئلة الى باقي مسؤولي الدولة من وزراء ومدراء عامين وموظفي الفئة الأولى بمن فيهم حاكم مصرف لبنان المعني قبل غيره في معالجة أي اضطراب نقدي مفترض .

ومما زاد الطين بلة وفاقم في نمو ذلك الإرتباك السياسي ، تلك التحركات الشارعية التي وقعت يوم الأحد الماضي في وسط بيروت ووصلت في بعض المناطق البقاعية الى حدود قطع الطرقات قبل أن يتدخل الجيش ليعالج تلك المشكلة . وقد بدأت الإتهامات تتحرك على هذا الصعيد موجهة أصابعها الى منطقة الخندق الغميق في غمز واضح من قناة حركة أمل بالإضافة الى تسليط الضوء على مواقف حزب القوات اللبنانية المعارض لمعظم القضايا المطروحة على طاولة مجلس الوزراء . ويعلو الهمس من بين السطور والحروف النافرة بأن تفاهما ما بين حركة أمل وحزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الإشتراكي وتيار المردة وبعض الخارجين على قرار الرئيس سعد الحريري في تيار المستقبل ، يسعون جميعا الى إحباط خطوات عهد الرئيس ميشال عون ولتعديل مسار الموقف السياسي للرئيس سعد الحريري كي يصبح أكثر حدة في وجه حزب الله ومواقفه الإقليمية " الصارخة. "

...هل تصح هذه الهواجس المنطلقة من نظرية المؤامرة ، أم أن هذا التوصيف ينطوي على مبالغة رديئة تساهم في تعقيد الأوضاع اللبنانية وتعمق الشرخ بين الولايات والإمارات اللبنانية المتحدة ضمن إطار رسمي لا يخلو من الشكلانية الخالية من المضمون الجدي لمعاني الإتحاد الوطني المجيد .

كل ذلك لا ينفي أننا في عمق إرتباك سياسي تلى ارتباكات سياسية سابقة ، وتليه ارتباكات سياسية لاحقة . اللهم لا تجعل لبنان وطنا للارتباكات المقيمة ... اللهم اجعلها ارتباكات عابرة ليس إلا . اللهم آمين .

ايمن حجازي