أيمن حجازي

المواجهة السياسية بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري كانت اﻷسبوع الماضي قاسية وصامتة في آن واحد. وقد تمحورت حول «سلسلة الرتب والرواتب» التي أقرها المجلس النيابي قبل أسابيع، وبرز بعد اقرارها اعتراض على بعض بنودها الضريبية من قبل فريق رئيس الجمهورية المعني بالشأنين اﻻقتصادي والمالي في البلد. وكانت بداية التباينات قد طفت على السطح في احدى جلسات مجلس الوزراء التي اعترض فيها وزير المالية علي حسن خليل على اﻷرقام الواردة في دراسة اقتصادية طرحها الرئيس عون على مائدة مجلس الوزراء، واعتبرها غير صحيحة وصادرة عن جهة غير معنية مباشرة بالشأن المالي الذي يجب أن يكون موكلاً الى وزارة المالية.
     تلى ذلك دعوة وجهها رئيس الجمهورية ميشال عون الى عقد لقاء اقتصادي سياسي مالي للتشاور في موضوع «سلسلة الرتب والرواتب» ومسألة توقيع رئيس الجمهورية عليها ونشرها في الجريدة الرسمية. على أن يحضر هذا اللقاء الرؤساء الثلاثة والوزراء المعنيون وشركاء اﻻنتاج من هيئات اقتصادية ونقابية... وكانت اﻻشارة اﻷولى على اعتراض رئيس المجلس النيابي على انعقاد هذا اللقاء قد تمثلت بالاعلان عن تغيب الرئيس بري عن هذا اللقاء، ومن ثم الدعوة الى انعقاد جلسة تشريعية بعد انعقاد لقاء بعبدا بثمان وأربعين ساعة، حيث حملت هذه الخطوة معاني التذكير بأن المجلس النيابي هو الساحة التي يجب ان تطرح فيها كل اشكاﻻت التشريع اﻻقتصادي والمالي في الجمهورية اللبنانية. وكانت ثالثة الإشارات السلبية في هذا السياق دعوة هيئة التنسيق النقابية الى اضراب شمل القطاعات التربوية والإدارية، في نفس اليوم الذي انعقد فيه لقاء بعبدا. والمعروف أن قرار هيئة التنسيق النقابية في هذه المرحلة في جزء كبير منه ممسوك من قبل حركة أمل. كما تمكنت أوساط الرئيس بري من تحريك بعض قطاعات المجتمع المدني التي أكدت أهمية توقيع قانون السلسلة واصدارها في الجريدة الرسمية. في الوقت الذي تحركت فيه قطاعات وهيئات اقتصادية أخرى مطالبة برد السلسلة الى المجلس النيابي. 
     وقد اتخذت قوى سياسية عديدة مواقف مؤيدة ﻻصدار السلسلة، من بينها «حزب الله» حليف الرئيس عون، والتيار الوطني الحر. حصل كل ذلك في ظل أزمة صامتة بين الرئيسين عون وبري تشكل استكمالاً لسلسلة الخلافات السياسية وغير السياسية بين الرجلين وبين حركة أمل والتيار الوطني الحر. اﻻ أن اﻷمور عادت وأستقرت على إيكال أمر البت بحصيلة ما بحث في لقاء بعبدا الى الثنائي المالي في الدولة اللبنانية... وزير المالية علي حسن خليل ورئيس لجنة المال النيابية النائب إبراهيم كنعان اللذين ﻻ بدّ لهما أن يجترحا حلاً لهذه المعضلة التي نبتت على ضفاف العلاقات غير المستقرة بين الرئاستين اﻷولى والثانية والتي قد تستولد أزمات ﻻحقة، وذلك من أجل ملء الفراغ السياسي الذي يفصلنا عن شهر أيار المقبل الموعد المفترض للانتخابات النيابية القادمة.
من حق الرؤساء أن يختلفوا حول «سلسلة الرتب والرواتب» أو غيرها من قضايا الدولة والشعب، ومن حقهم أن يتفقوا أيضاً، ولكنني لو خيرت شخصياً بين خلافهم أو اتفاقهم فاني أعلن انحيازي للخيار اﻷول حتماً... حيث إن اتفاقهم غالباً ما يكون على حساب الجماهير «الغفورة»، وإن اختلافهم رحمة بالعباد.