العدد 1358 / 17-4-2019
أيمن حجازي

بسرعة إشتعلت الأرض على وقع الحديث عن تخفيضات قد تطرأ على رواتب الموظفين في الدولة اللبنانية ، وأمتلأت الشوارع والأوتوسترادات الفاصلة بين المحافظات والمناطق اللبنانية بالمعتصمين القلقين على مستقبل معاشاتهم وبالأخص معاشاتهم التقاعدية ... خصوصا ما يتصل بالمتقاعدين العسكريين الذين كانوا قادرين على توجيه أقسى العبارات المهينة لمسؤولي الدولة دون أن يتعرض لهم أحد من الجهات القضائية المختصة . وقد حدث كل ذلك اثر انعقاد إجتماع برئاسة الرئيس سعد الحريري لمناقشة موضوع الموازنة في بيت الوسط وقد ضم الإجتماع وزير الخارجية جبران باسيل ووزير المالية علي حسن خليل والمعاون السياسي لأمين عام حزب الله الحاج حسين خليل والوزير أكرم شهيب والنائب جورج عدوان والوزير يوسف فنيانوس حيث اكتمل عقد القوى السياسية الرئيسية التي يتشكل منها مجلس الوزراء في محفل يشبه المجلس الرئاسي الحاكم الذي يتولى الحكم في الاتحاد السويسري الطيب الذكر . ما يعيدنا بالذاكرة الى مطالبة البعض باعتماد نظام المجلس الرئاسي المشار اليه .

وقد تجرأ الوزير جبران باسيل وتحدث إثر ذلك الإجتماع عن نية رسمية بإجراء تخفيضات تطال سلسلة الرتب والرواتب ما استفز العديد من القطاعات التي تطالها هذه النية الرسمية " السليمة " وبالأخص المتقاعدين العسكريين الذين قادوا تحركا شارعيا إلتحق به فئات أخرى من المعلمين الرسميين والموظفين . وقد جاءت مواقف القوى السياسية المشاركة في اجتماع بيت الوسط متفاوتة مما أدلى به أو سربه الوزير باسيل ، حيث سجل تحفظا واضحا من قبل حزب الله الذي حرص على حماية ظهر حليفه رئيس التيار الوطني الحر ، واكبه في ذلك التحفظ نواب تيار المستقبل الحريصون على حماية ظهر الرئيس الحريري بشكل أولي ... أما نواب حزبي القوات اللبنانية والتقدمي الاشتراكي فقد أعربا عن تقديمهما لإجراءات اولية تسبق المس برواتب الموظفين مثل تحرير الأملاك البحرية وبعض الإجراءات الأخرى . وكي يتخلص النائب جورج عدوان من تبعات الحديث (الشعبية) عن خفض الرواتب أعلن عن معارضة حزبه لتخفيض الرواتب الصغيرة التي تدور حول المليون ونصف او المليونين . هذا في الوقت الذي لوحظ أن نواب حركة أمل قد أعلنوا عن رفضهم المطلق لأي تخفيضات تطال رواتب الموظفين . كما أن تحركات العسكريين المتقاعدين قد تركزت في مناطق نفوذ حركة أمل ، ما أوحى بأن الحركة ليست في وارد مسايرة الوزير باسيل في هذا الموضوع وأن لا مانع لديها من هبوب عاصفة التخفيض في وجه التيار الوطني الحر الحليف اللدود للرئيس نبيه بري .

ما يمكننا استخلاصه من المواقف الآنفة أن موضوع تخفيض الرواتب مرشح وبقوة للخضوع للتجاذبات السياسية المألوفة في لبنان ، وأنه بند قد يسقط بالضربة القاضية من جراء نتائجه الشعبية المضرة التي قد تلحق بأي فريق سياسي يتورط في تبنيه . ما قد يدفع الى القول بأن الوزير باسيل وقع في الفخ عندما أسرع بالحديث عن تخفيض الرواتب قبل أن يتورط آخرون في ولوج دهاليز هذه المغامرة الخطيرة التي لا تحمد عقباها . ثمة ملاحظتين يمكن تسجيلهما حول كل ماجرى :

- الملاحظة الأولى تتمحور حول القوة التي منحها تحرك العسكريين المتقاعدين على عملية رفض أي تخفيض للرواتب والمعاشات ، ما يطرح السؤال حول القوة التي يمكن ان يضخها هؤلاء في تحركات شعبية قادمة ومفترضة قد يعتبرها هؤلاء العسكريون المتقاعدون تعنيهم بشكل او بآخر . وما تأثير ذلك على الواقع السياسي ؟

- الملاحظة الثانية تتعلق بالاجتماع الذي حصل في بيت الوسط ... هل بات سابقة قد تتكرر في معرض حل المشكلات المستعصية في البلد ؟ أو انه إرهاص لتشكيل حكومة مصغرة على شاكلة الحكومة الأمنية المصغرة في الكيان الصهيوني تمهد لاجتماعات الحكومة الموسعة ؟ وماذا عن وجود الحاج حسين الخليل في بيت الوسط وهو يتبادل أطراف الحديث مع الرئيس سعد الحريري بكل ود واحترام متبادلين ، وهو أمر لا أظنه قد حصل من قبل في ذلك المكان بالتحديد ( أعني بيت الوسط ) . وعذرا إذا خانتني الذاكرة .

ايمن حجازي