أيمن حجازي

عند كل تصادم بين المواقع الرئاسية أو السلطوية اللبنانية، يضع اللبنانيون أيديهم على قلوبهم خشية التداعيات المحتملة لهذا التصادم. ويبدأ المعنيون بالشأنين اﻻقتصادي والمالي باحتساب اﻷضرار التي تلحقها تصادمات أهل السلطة باقتصاد البلد. ويعكف المواطن اللبناني العادي على دراسة المضاعفات اﻷمنية على اﻷرض للتضارب الحاصل بين الرؤوس الشامخة، خصوصاً إذا كان المتضاربون من أصحاب القواعد الجماهيرية العريضة. وفي كل جولة من الجوﻻت التنافسية المتقطعة ينشط الوسطاء المحليون، العلنيون منهم والسريون، على خطوط «العواصم الزعامية الشاهقة» مثل بعبدا، عين التينة، بيت الوسط ومن قبل قريطم، الرابية، بنشعي، المختارة أو كليمنصو، حارة حريك وإلى آخر ﻻئحة العواصم المشار إليها. إﻻ أن البارز من اﻷسماء العلنية للتوسط في هذه المرحلة النائب وائل أبو فاعور، فيما يبرز اسم اللواء عباس إبراهيم في ميدان التوسط السري أو الصامت والفاعل في آن واحد.
ولكن قلة من اللبنانيين يلتحفون في أوقات التصادم المشار اليه بالطمأنينة على وضع البلد، بعد أن ترسخت لديه قناعة بأن الجميع محكوم بسقف التوافق الدولي والإقليمي على استمرار الوضع اللبناني في الستاتيكو الذي يحياه هذا الوطن. وأكبر دليل على سلامة هذه الطمأنينة وصحتها كان المعضلة التي اعترضت الرئيس سعد الحريري في بداية شهر تشرين الثاني الماضي حين استُدعي الى العاصمة السعودية الرياض كي يتلو بيان استقالته من رئاسة الحكومة اللبنانية. والجميع يعرف من هي المملكة العربية السعودية بالنسبة إلى زعامة آل الحريري في لبنان، فهي على أقل تقدير الراعية والحامية لهذه الزعامة. وعلى الرغم من كل ذلك، فإن الموقف اﻷميركي واﻷوروبي لم يسمحا للجنوح السعودي بقلب الطاولة اللبنانية وتهديد اﻻستقرار الداخلي لدولة تحظى برعاية واشنطن وباريس اللتين  تخشيان من تدهور اﻷوضاع. فالوﻻيات المتحدة وفرنسا وبريطانيا على وجه التحديد، وعلى الرغم من مشاطرتها للمملكة السعودية في رفض سطوة «حزب الله» داخل الدولة اللبنانية، ليست في وارد الدخول في مغامرة قد تفضي الى نتائج عكسية قد تزيد من النفوذ الإيراني على الحوض الشرقي للبحر المتوسط. وبات من المعروف أن هذا الحوض مرشح ﻻستخراج النفط والغاز من أعماقه. ويلاحظ في هذا الصدد كلام منسوب إلى فريدريك هوف، المسؤول عن ملف نفط وغاز شرق المتوسط في عهد إدارة باراك أوباما، أنه «لضمان وصول النفط والغاز من هذه المنطقة إلى أوروبا والوﻻيات المتحدة يجب الحفاظ على الهدوء اﻷمني في لبنان».
وفي العودة الى الخضة التي أحدثها الفيديو المسرب للوزير جبران باسيل، الذي تضمن اساءة سياسية ومعنوية إلى رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وأثارت ردود فعل شارعية خطيرة، فإنها باتت قابلة للحل أو التسوية المؤقتة، لعلم جميع الساسة في لبنان أنهم لن يلاقوا أي ترحيب مفترض من أي جهة دولية تساهم في رعاية الوضع اللبناني، فضلاً عن «الحساسية الوطنية المرهفة» التي يتمتع بها الجميع وتعصمهم من الزج بجماهيرهم في أتون الصراعات الحربية المدمرة التي ذاق منها اللبنانيون الكثير. وهكذا توجه أركان الوطن إلى قصر بعبدا صبيحة السادس من شباط، وهو التاريخ المفعم برمزيته التاريخية، فغسلوا القلوب وأزالوا الشحناء وتبادلوا اﻻبتسامات والطرائف وجاءت نتيجة الحاصل اﻻنتخابي لتلك الجلسة الميمونة عشرة على عشرة وفق النظام اﻷكثري ودونما حاجة الى نسبية ممجوجة أو صوت تفضيلي في مثل مناسبة كهذه. 
اتفاق الزعماء في لبنان نعمة أم نقمة؟ سؤال مركزي ﻷن بعض سيئي الظن والنية يعتبرون أن اتفاق هؤﻻء القوم سيكون تواطؤاً على مصلحة اللبنانيين وليس من أجل هذه المصلحة. وتلك هي اﻷحجية.