أيمن حجازي

يستمر الحراك السياسي داخل بنية السلطة اللبنانية ويؤدي الى تفاعل حيوي بين أركان الحكم اللبناني وزعاماته الكبرى، ما ترجم مؤخراً بلقاءات رئاسية ثلاثية وثنائية أزالت بعض الشوائب الخلافية وأدت الى صفاء نسبي في العلاقات الرئاسية التي توترت في اﻵونة اﻷخيرة. وقد قام هذا الحراك على وقع التوتر الإقليمي الناتج من المواجهة الجوية اﻻسرائيلية - السورية التي أفضت الى إسقاط طائرة صهيونية كانت من ضمن طائرات تقصف مواقع عسكرية داخل الأراضي السورية. وتزداد أهمية هذا الحراك ﻷنه يجري بالتزامن مع زيارة نائب مساعد وزير الخارجية اﻷميريكية ديفيد ساترفيلد لبيروت، وقبيل وصول وزير خارجية واشنطن إلى العاصمة اللبنانية للتباحث في العديد من القضايا السياسية التي يأتي في مقدمها الخلاف حول بناء الجدار الصهيوني العازل على الحدود اللبنانية - الفلسطينية المحتلة، والخلاف حول المنطقة النفطية رقم 9 التي تحاول دولة الكيان الغاصب الاستيلاء عليها.
وﻻ يغيب عن البال أن كل ذلك يحصل قبل نحو ثلاثة أشهر من الموعد المفترض للانتخابات النيابية في السادس من شهر أيار المقبل. وإذا كان اللقاء الرئاسي الثلاثي اﻷول قد أنهى الخلاف حول مرسوم اﻷقدمية للضباط المتخرجين من المدرسة الحربية في عام 1994، فإن اللقاء الرئاسي الثلاثي الثاني بين الرؤساء ميشال عون، نبيه بري وسعد الحريري قد أبرز الموقف اللبناني الموحد من التحديات الصهيونية، الحدودية والنفطية. ثم جاء اللقاء الرئاسي الثنائي (لقاء الخبز والملح) بين الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري في عين التينة ليبدد اﻷجواء السلبية بين الرجلين التي تلت توقيع الرئيس الحريري على مرسوم اﻷقدمية وفتح صفحة جديدة من العلاقات بين الجانبين قبيل إجراء اﻻنتخابات النيابية الموعودة، وذلك على الرغم من أن مساحات التلاقي اﻻنتخابي تبدو ضيقة بين حركة أمل وتيار المستقبل، وهي قد تكون محصورة في دائرة البقاع الغربي إن وجدت. لكن الجميع يعلم أن المجاﻻت الحيوية بين الرئاستين الثانية والثالثة ليست انتخابية بالضرورة، وهي تطاول شؤوناً حكومية ومجلسية شتى يحتاج فيها الطرفان الى التفاهم المشترك. إلا أن الحديث اﻻنتخابي اﻷكبر بين بري والحريري الذي يطاول دائرة بيروت الثانية قد يخضع في ظل القانون اﻻنتخابي النسبي وفي ظل الصوت التفضيلي لتعايش سلبي بين الفريقين يضمن حصول أمل و«حزب الله» على المقعدين الشيعيين في هذه الدائرة دون الحاجة الى الدخول في ﻻئحة مشتركة. ويؤمن ارضاء حلفاء «حزب الله» السنّة والمسيحيين في بيروت الثانية الذين يجربون حظهم في اختراق الجدار الحريري في المعقل البيروتي المتقدم ومن خلال ﻻئحة مواجهة للائحة تيار المستقبل. ويوازي هذا الواقع البيروتي المزركش مذهبياً، الواقع اﻻنتخابي في دائرة بعلبك - الهرمل، حيث من المفترض أن يجرب تيار المستقبل وحلفاؤه حظهم في اختراق جدار الثنائي الشيعي في هذه الدائرة النائية، ومحاولة استنقاذ المقعدين السنيين هناك.
إلى جانب اللقاءات الرئاسية الثلاثية والثنائية يأتي اللقاء بين الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط في بيت الوسط عشية الذكرى الثالثة عشرة ﻻغتيال الرئيس رفيق الحريري، استكماﻻً ﻷجواء التهدئة السائدة في البلد، والتي أعطاها الرئيس الحريري منذ أزمة استقالته من الرياض في تشرين الثاني الماضي تسمية اﻻستقرار الذي دفعه الى العودة عن تلك اﻻستقالة الشهيرة وقاد البلاد إلى الخروج من التوترات المتلاحقة بين الرئاستين اﻷولى والثانية التي التهبت على امتداد الأسابيع المنصرمة. كذلك فإن «اﻻستقرار» بات شعاراً للإدارة اﻷميركية عندما تتناول الوضع اللبناني وتبدي حرصها على مصالح الوطن الصغير المرشح للدخول ﻻحقاً في جنة «اﻷوبك» التي تهيج شهية وجشع دونالد ترامب وادارته الشرهة على الدوام!