العدد 1365 / 12-6-2019
أيمن حجازي

بعد صبر طويل على مضض التسوية الرئاسية التي ولدت في خريف 2016 وأوصلت العماد ميشال عون الى سدة الرئاسة الأولى , وقضت بعودة الرئيس سعد الحريري الى سدة الرئاسة الثالثة ،انتفض رئيس الحكومة في وجه " التجاوزات " التي حاولت النيل منه ومحاصرته وتحجيم الفاعلية السياسية لتيار المستقبل . وقد تمظهرت هذه " التجاوزات " من خلال خطوات قام بها فرقاء سياسيون كثر منذ الشروع في الإعداد لقانون إنتخابي جديد في النصف الأول من عام 2017 ، وما تلا الإنتخابات النيابية في أيار 2018 من تعسير متعدد الأطراف لتشكيل الحكومة , الى العقبات الكبيرة التي اعترضت إعداد الموازنة الحالية داخل أروقة مجلس الوزراء ... حيث كان الوزير جبران باسيل والتيار الوطني الحر يتجهان في كل محطة من تلك المحطات الى إثبات أنهم الطرف الأقوى والأكبر في تركيبة الحكومة التي باتت برأسين واحد يدعى سعد الحريري والآخر جبران باسيل .

وقد شهدت الأسابيع الأخيرة إطلالات شعبية وحزبية للوزير باسيل , عبّر فيها عن مكنونات سياسية استفزازية من مثل أن سنية سياسية قد نشأت على جثة المارونية السياسية المندثرة , بالإضافة الى تحديد ما هو مسموح به وما هو غير مسموح سياسيا دون مراعاة الحساسيات الطائفية والمذهبية والحزبية المزدحمة في الوطن اللبناني البديع . واذا كانت مضامين هذه الإطلالات حاملة لإستفزازات شتى تطال أكثر من جهة طائفية ومذهبية وسياسية ، فإن التوتر الأكبر التي أحدثته هذه الإطلالات طالت الساحة السنية عموما وتيار المستقبل خصوصا . وهذا ما ادى الى إستنهاض همم رؤساء الحكومات السابقين نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام الذين باتوا يشكلون هيئة سياسية شبه دائمة تؤدي دور المدافع والمنافح الذي يذود عن حياض الطائفة السنية في لبنان . كما أن دار الفتوى شهدت نوعا من أنواع الإستنفار الهادئ في مواجهة الحديث عن السنية السياسية الحديثة الإصطلاح ... وبات الرئيس الحريري متهما أكثر وأكثر بالتهاون والضعف أمام النزعة " الأمبراطورية " للوزير جبران باسيل , وحيال توسع مفتعل في رغبة التيار الوطني الحر بفرض سيطرته السياسية على التمثيل السياسي المسيحي في البلد .

وكانت قضية تبرئة المقدم سوزان الحاج من التهم الموجهة اليها في قضية زياد عيتاني , القشة التي قصمت ظهر البعير من خلال تدخل عير عادي من القاضي بيتير جرمانوس في إنجاز هذه التبرئة , ما أثار الرئيس الحريري واستفزه قبل أن تحصل حادثة طرابلس عشيّة عيد الفطر , وما رافقها من حديث عن مسؤولية " البيئة الحاضنة للإرهاب " في تغطية مزعومة لمنفذ تلك العملية التي أودت بحياة أربعة من العسكريين .

لقد تضافرت هذه العوامل ودفعت بالرئيس الحريري الى الإنتفاض بعد عودته من الخارج وقبل أن يلتقي الرئيس ميشال عون ، من خلال مؤتمر صحافي تناول فيه العديد من المواضيع المثارة والمطروحة على بساط الإستهداف السياسي لرئيس الحكومة ومكونه السياسي والطائفي المعروف . وكان كلام الحريري عن "البهورة" سهم موجه الى خيام الوزير باسيل على وجه التحديد ، فضلاﹰ عن تناول تراجع القوى السياسية المشاركة في الحكومة عن مواقفها المتخذة داخل مجلس الوزراء والعودة الى مواقف مختلفة من الموازنة خارج هذا المجلس مراعاة للأوضاع الشعبوية المشهودة في البلد . وهذا ما جعل مواقف الحريري أكثر وضوحاﹰ وقوة من ذي قبل ، في إشارة من قبله الى عدم الإستمرار في إلتزام الصمت حيال المواقف الجارحة التي تطاله وتطال مكونه الطائفي في كثير من الأحيان . ولكن هذا الوضوح وتلك القوة في مواقف الحريري لم تكن إنقلابية , بل كانت مضبوطة بضوابط الحرص على إنقاذ التسوية الرئاسية التي تكاد تنهي عامها الثالث بعد بضعة أشهر . لذا فان الحديث عن إنتفاضة قام بها الحريري قد تضمنها مؤتمره الصحفي المنعقد عصر الثلثاء الماضي يجب أن تكون مقرونة بالإنضباط , كي تصبح " الإنتفاضة المضبوطة لإنقاذ التسوية الرئاسية "... وقد قابلها جبران باسيل من لندن بإيجابية تتضمن الإقرار بأنه قد " زادها حبتين في مواقفه المعلنة وهو يدرك ذلك " خصوصا أنه يحتاج الى الحريري في تلافي التداعيات السلبية على العلاقات اللبنانية - السعودية لتلويحه بطرد عشرات آلاف السعوديين العاملين في محطات البنزين اللبنانية ...

ايمن حجازي