العدد 1364 / 29-5-2019
أيمن حجازي

وأخيرا تم تمرير موازنة عام ٢٠١٩ على طاولة مجلس الوزراء , بعد أخذ ورد ومناورات تورطت بها بعض القوى السياسية المنخرطة في الحكومة الحالية . لتبدأ رحلة تلك الموازنة الى المجلس النيابي ، حيث ينبغي أن تُشرّح هذه الموازنة في لجنة المال والموازنة قبل أن تحال الى الهيئة العامة للمجلس النيابي . حصل ذلك بعد أن حاول رئيس التيار الوطني الحر ووزير الخارجية جبران باسيل أن يعيد النقاش في موضوع الموازنة الى نقطة الصفر من خلال تقديمه ما يشبه البرنامج الشامل الذي يطال الموازنة في مختلف مساراتها . إلا أن الصرخة ارتفعت وترددت أصداؤها بين قصري بعبدا وعين التينة و بيت الوسط لتؤكد أن الموازنة التي ترسم خطوطها على قياس مؤتمر سيدر لا تحتمل التأجيل أكثر من ذلك .

لكن البارز في المعالجة السياسية أن قوى أساسية في الدولة والحكومة ستتابع إدارتها المزدوجة لشؤون الدولة حيث ترى نفسها مضطرة الى الجمع بين سياسة "واقعية" براغماتية خاضعة للنظام القائم في البلد وبين الحاجة الشعبية التي تدعوها الى مسايرة قطاعات شعبية واجتماعية مختلفة . فهي تضع رجل بالبور واخرى بالفلاحة ، فتتخذ قرارات سلطوية متقشفة حيال بعض الخدمات ثم تعود لتنجر الى حركات احتجاجية في الشارع معادية لتلك القرارات . قبل أن تحيل مسؤولية إتخاذ تلك القرارات الى أطراف أخرى في السلطة ، وذلك ضمن لعبة تذاكي بهلوانية مضامينها الأساسية الكذب والتكاذب . وقد شاهدنا بأم العين في الأشهر القليلة الماضية مواقف وخطابات احتجاجية للبعض ممن يتهم أهل السلطة بارتكاب الكبائر بعد أن ينسى أنه هو نفسه من أهل السلطة وأركانها "الغاشمين" .

ويلجأ هذا البعض الى هذه الأساليب الملتوية خشية خسارة القواعد الشعبية التي يرتكز اليها هذا البعض في قوته الإنتخابية التي تمنحه حجما نيابيا قد يلبي طموحاته وقد لا يلبي . وينذر هذا الواقع بوجود مخاطر كبيرة قد تعترض مسيرة الموازنة في المجلس النيابي حيث تلاحق بعض القطاعات الإجتماعية قواها السياسية وتستمر في حركة إضراباتها واعتصاماتها الضاغطة كي يتم تعديل بعض تفاصيل الموازنة التي تسبب أضرارا في مداخيل موظفين ومتقاعدين كثر . وقد وصلت هذه الإعتصامات يوم الإثنين الماضي الى تخوم قصر بعبدا ، ودخل إضراب أساتذة الجامعة اللبنانيةشهره الثاني , ما يهدد العام الدراسي الجامعي برمته . ما يدفع البعض الى التحذير من وجود عقبات جدية خلال مناقشة موازنة ٢٠١٩ في المجلس النيابي . ولا ينبغي إغفال عامل هام جدا في خضم هذه الهمروجة الصاخبة وهي أن هذه الموازنة إن قدر لها أن تقر في المجلس النيابي بعد شهر من الزمن ، (وفق توقع رئيس المجلس النيابي نبيه بري) فانها تكون قد خسرت نصف عمرها لأنها موازنة يفترض أن تكون قد أصبحت على مشارف الشهر السابع من عام ٢٠١٩.

إن الإزدواجية المشار إليها والتي تصاب بها معظم القوى السياسية المشاركة في الحكومة الحالية ، داء جديد - قديم من أدواء السياسة اللبنانية التي تدفع المصابين به الى الإستحواذ الدائم على مغريات السلطة وعلى سطوة وهيبة المعارضة في آن واحد . وهو نوع متفش من أنواع المطامع الرديئة المفعمة بالكذب والتكاذب والإلتباس والتعمية على الحقائق والغموض الدائم الذي ينبغي أن تبقى ضحيته جماهيرنا " الغفورة " .

ملاحظة : للتذكير فقط أن مصطلح الجماهير الغفورة أنتجه الفنان الراحل فيلمون وهبي الذي عندما سئل عن سبب نعته للجماهير بالغفورة , أجاب : لأنها تغفر دائما لزعمائها ...

ايمن حجازي