أيمن حجازي

مع اتساع المشهد اﻻنتخابي اللبناني بدأت الخلاصات السياسية المفترضة تدخل في مزيد من الغموض والضبابية، وذلك بعد أن أفضت المعطيات التحضيرية لهذه اﻻنتخابات الى الإضرار بالتحالفات والتفاهمات السياسية القائمة في البلد، وبعد أن نشأت علاقات ايجابية انتخابية بين أطراف كانت متباعدة. وهذا ما يمكن تلمسه في الميدان اﻻنتخابي (على سبيل المثال) بين التيار الوطني الحر و«حزب الله» اللذين تضررت علاقتهما على أرض الواقع في كثير من الدوائر، وذلك في مقابل تحالفات وليدة كتحالف النائب بطرس حرب وتيار المردة والحزب السوري القومي اﻻجتماعي في دائرة الكورة - البترون - زغرتا - بشري، وكتحالف التيار الوطني الحر مع الجماعة الإسلامية في دائرتي صيدا - جزين وعكار.
يسجل على صعيد العلاقة اﻻنتخابية بين التيار الوطني الحر و«حزب الله» أن الخلاف لم يعد محصوراً في دائرتي جبيل - كسروان وصيدا - جزين، بل وصل اﻷمر الى حدود تشكيل لوائح عونية تضم مرشحين شيعة في دائرة بعلبك - الهرمل وفي دوائر الجنوب اﻷخرى، وهذا ما بات يثير حساسية الثنائي الشيعي ويمثل تجاوزاً للخطوط الحمر في عقر دار هذا الثنائي المتلاحم. فيما اقتصر التحالف بين العونيين و«حزب الله» على بيروت الثانية وبعبدا، وهو تحالف اﻷمر الواقع الذي ﻻ فرار منه. وقد ظهر هذا التباعد أكثر وأكثر بين تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية اللذين بات تحالفهما التاريخي على محك اﻻنتخابات النيابية القادمة. فيما يسارع العديد من قادة ورموز هذه القوى السياسية المتحالفة لتبرير هذا التباعد بأنه محكوم بالقانون اﻻنتخابي الجديد وبأن العلاقة التحالفية بين هذه اﻷطراف لن تتأثر باﻻفتراق اﻻنتخابي الحاصل حالياً في هذه اﻻنتخابات. 
ويبدو أن الخلاصات السياسية المشار إليها ستتضمن تفتتاً واحتداماً مميزاً في بعض الساحات ذات البعد المذهبي الواضح مثل ساحة الشمال اﻻنتخابية التي تشهد تعدداً في اﻷقطاب والقوى، ما يدفع المراقبين الى ترجيح أن يتمثل الجميع في دائرة طرابلس - المنية الضنية، ما يجعل الفوز بالنسبة إلى تسع لوائح تتنافس على 11 مقعداً بمعدل نائب أو نائبين لكل ﻻئحة. وهذه النتيجة لن تكون حاسمة بين تيار المستقبل وتيار العزم وﻻئحة فيصل كرامي وﻻئحة أشرف ريفي واﻵخرين... وهذا ما ينطبق أيضاً على الوضع اﻻنتخابي في دائرة الكورة - البترون - زغرتا - بشري وفي دائرة عكار أيضاً. فاللوائح قوية في معظمها وقادرة على التمثل في المجلس النيابي، ولو بمقعد واحد، وهو سيكون مقعداً ثميناً في ظل اﻻزدحام الحاصل.
ثمة ملاحظة سجلها البعض على التراشق الكلامي المحدود الذي حصل بين «حزب الله» وتيار المستقبل، وهو التفهم النسبي من قبل «حزب الله» لحاجة الرئيس سعد الحريري الى ما يشد به عصبه اﻻنتخابي في بيروت والشمال، اﻻ أن وزير الداخلية نهاد المشنوق لجأ الى استخدام بعض التعبيرات القاسية في حفل انتخابي بيروتي، ما أدى الى تجاوز بعض الخطوط الحمر، ولكن كل ذلك لم يؤد الى ما ﻻ تحمد عقباه داخل مجلس الوزراء أو خارجه.
إن قدر ﻻنتخابات الـ77 ﻻئحة أن تجري دون أحداث كبرى تطيحها ﻻ سمح الله، فإن خلاصات سياسية كبرى ستترتب عن هذه اﻻنتخابات، وهي قد تزيد في عملية خلط اﻷوراق وتبدل محاور التحالفات التي بدأت منذ انهاء الفراغ الرئاسي في خريف 2016. وهي خلاصات جديدة أكبر من ترقب ميزان القوى واﻷكثرية المائلة الى هذا المعسكر أو ذاك، فهي قد تطاول أساس وجود المعسكرات السياسية في البلد.