فهمي هويدي

لم نكد نفرغ من قراءة التقارير التي نشرتها صحف صباح السبت الماضي عن عشرات الشبان الذين تم العفو عنهم بقرار جمهوري، وطالعنا فيها صور الأهالي وهم يستقبلون أبناءهم بالأحضان والزغاريد، حتى صفعنا حكم الحبس الذي صدر ضد نقيب الصحفيين المصريين واثنين من زملائه، أقول صفعنا لأنه فاجأنا بما لم يخطر على البال، ولأنه حدث لا سابق له في تاريخ الصحافة، الأمر الذي يعد وصمة في سجل السياسة المصرية، ذكرتنا بصدمة اقتحام الشرطة للنقابة لاستخراج اثنين من الزملاء احتميا بها، بعدما ظنا أن للنقابة حصانة ولمهنة الصحافة احتراماً.
اقترنت الوصمة بالدهشة التي سبق أن انتابتنا حين تم اقتحام النقابة دون مبرر أوائل شهر مايو (أيار) الماضي، ذلك أن عملية المداهمة والاقتحام حدثت في وقت كان نقيب الصحفيين يتفاوض مع مسؤولي الداخلية لتسليم الزميلين استجابة لأمر الاستدعاء، ومن ثم كان يمكن معالجة الأمر في هدوء وسلاسة بما يجنبنا الذعر والغضب اللذين انتشرا في المحيط الصحفي، فضلاً عن الفضيحة التي ترددت أصداؤها في العالم الخارجي. أما ما حدث بعد ذلك فكان أكثر إدهاشاً وأعجب، ذلك أن الزميلين اللذين ألقي القبض عليهما بسبب تظاهرهما السلمي دفاعاً عن جزيرتي تيران وصنافير وتم إيداعهما أحد السجون، ثم حكم ببراءتهما حين أحيل الأمر إلى القضاء، وكانت البراءة تعني أنه لا وجه للصحة في ما نسب إليهما، وأن تصرفهما لم يكن فيه مخالفة للقانون تستوجب العقوبة، في وقت لاحق صدر حكم المحكمة الإدارية لصالح مصرية الجزيرتين وبطلان الاتفاق على إلحاقهما بالسعودية، وهو ما أكد سلامة موقف الزميلين وأسدل الستار عن قضيتهما.
هدأت الضجة بعد ذلك ونسي أكثرنا الموضوع. ولم ننتبه إلى أن ثمة قضية أخرى اتهم فيها نقيب الصحفيين واثنان من أعضاء مجلس النقابة بإخفاء مطلوبين للعدالة، وهذه ظلت تتحرك في صمت إلى أن فوجئنا بتحديد موعد للحكم الذي صدمنا حين قضي بمعاقبة النقيب والزميلين بالحبس سنتين وغرامة عشرة آلاف جنيه لكل منهم.
وجه العجب في الموضوع أن الحكم صدر في اللاقضية، وسط أجواء فرحة غمرت كثيرين جراء العفو عن الدفعة الأولى من الشبان المحبوسين في بادرة مقدرة محمّلة بمعانٍ على النقيض تماماً من الرسالة التي تلقيناها حين بلغنا نبأ الحبس المهين للنقيب وزميليه، وهو ما دعا أحد الزملاء إلى القول محقاً بأن قرار الحبس أدى إلى اغتيال قرار العفو، كأن هناك من ساءه أن تشيع أجواء الفرح ذات يوم في دائرة محدودة من البشر، فأطلق فرقعة الحبس التي كانت بمثابة «كرسي في الكلوب» كما يقول التعبير الدارج، وهو ما أفسد «الفرح» وأشاع جواً من الغم والاكتئاب في محيط أهل المهنة.
جاء الحكم صادماً وكان التوقيت بائساً، ولست ألوم القاضي بطبيعة الحال، فالرجل حكم بمقتضي شهادات وتقارير قدمت إليه، أما تزامن إصدار الحكم مع صدور قرار العفو فلست أشك في أنه مجرد مصادفة سيئة محت أثر العفو، وأساءت إلى النظام القائم أيما إساءة، إلا أن ذلك لا ينفي أن ثمة سوء تقدير في إخراج العملية، ذلك أن أجواء العفو كانت تسوّغ تسوية القضية بطريقة مختلفة تجنبنا الصدمة والفضيحة، ورغم أن الموضوع لا علاقة له بالعنف ولا الإرهاب، فضلاً عن أن المتهمين في الاحتماء بالنقابة تمت تبرئتهما، فإن الإخراج الذكي كان يقتضي إقامة فاصل زمني بين الحدثين إذا لم يكن من الحكم بدّ.
سوء الإخراج ملاحظة تكرّرت في مواقف كثيرة، أحدها في تزامن تعويم الجنيه مع رفع الأسعار الذي اعتبر بمثابة توجيه ضربتين موجعتين على الرأس في وقت واحد، وهو ما جعلنا في حيرة من الأمر، فقد فرض علينا أن نتنازل عن الحلم الديمقراطي، وتصورنا مخرجاً في بديل المستبد العادل بمعنى الحازم، لكن هذه الوصفة لم تنجح، فتعين علينا أن نخفض من سقف توقعاتنا بحيث صرنا نتعلق بأمل الذكاء وليس العدل، لكن حتى هذا صرنا نفتقده، الأمر الذي يكاد يوصلنا إلى طريق مسدود.