د. علي العتوم

قال تعالى : >أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَة طَيِبَةٍ أصلُها ثابِتةٌ وفَرْعُها فِي السّماء،  تُؤتِي أُكُلَها كُلّ حِيْن بِإِذْنِ رَبّها، ويَضْرِبُ اللهُ الأَمثالَ للناسِ لَعَلّهُمْ يَتَذَكّرون، ومَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيْثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيْثَةٍ اجتُثّتْ مِنْ فَوْق الأَرضِ ما لها مِن قرار، يُثبِّتُ اللهُ الّذيِنَ آمَنُوا بِالقَولِ الثَّابِتِ فِي الحَياةِ الدّنيا وفي الآخِرَةِ، ويُضِلّ اللهُ الظالِمينَ، ويَفْعلُ اللهُ ما يَشاءُ، أَلَمْ تَرَ إِلى الّذيِنَ بَدَّلُوا نِعْمَة الله كُفْراً، وأَحلّوا قَوْمَهُمْ دارَ البَوارِ، جَهَنّمَ يَصْلَوْنَها وبئِسَ القَرارُ، وجَعلُوا للهِ أنْداداً لِيُضِلّوا عَنْ سَبِيلِهِ، قُلْ: تَمَتَّعُوا فَإِنّ مَصِيرَكُمْ إِلى النارِ< ابراهيم: 14/ 24 – 30.
1- سورة ابراهيم سُمِّيت بذلك نسبةً إلى ابراهيم الخليل عليه الصلاة والسّلام، أبي الأنبياء . قال تعالى: >ملّةَ أَبِيكُم إبراهِيم هو سمّاكُم المُسْلِمِينَ مِنْ قبْلُ وفِي هذا<. وهو والد اسحاق وإسماعيل الرسولين الكريمين. وهو الذي رفع القواعد من البيت مع ابنه اسماعيل الذي فداه الله بذبح عظيم . وهو محطّم الأصنام ومُفحِم الطاغية النّمرود. وقد نجّاه الله من ظلمه وظلم الكفرة في عصره هو وابن أخيه لوط عليهما الصلاة والسلام إلى بلاد الشّام المباركة، قال تعالى: >ونَجّيْناه ولُوطاً إِلى الأَرْضِ التي باركْنا فِيها للعالَمِين<.
2- كلمة طيبة: هي كلمة التوحيد: لا إله إلاّ الله. وهي التي يثبت الله بها المؤمن عند سؤاله في قبره، فينطق بها بطلاقةٍ ووضوح، فيكون ذلك من علائم فوزه في الامتحان. الشجرة الطيبة: هي النّخلة كما جاء في الحديث عن ابن عمر، أنّ الرسول | سأله أصحابه يوماً: (إنّ من الشجر شجرةً لا تطرح ورقها مثل المؤمن) ما هي؟ فأجابوا إجاباتٍ بعيدةً، فقال: هي النّخلة. الشجرة الخبيثة: هي الحنظلة، أصلها ثابتٌ وفرعها في السماء: هو كما جاء في الحديث أنّ رسول الله  قال لرجلٍ: ألا أخبرك بعملٍ أصله في الأرض وفرعه في السماء؟ قال: ما هو يا رسول الله؟ قال: (تقول لا إله إلاّ الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله عشر مرّاتٍ في دبر كلّ صلاة). الذين بدّلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار: قيل: إنّهم كفّار مكّة. وهي كذلك تصدق على كل رؤساء قومٍ لم يهدوهم سواء السّبيل، ولم يحكّموا فيهم شرع ربّهم.
3- ما يستفاد من الآيات:
‌أ. أفضل القول كلمة لا إله إلاّ الله، فهي أساس المعتقد ، والمنطلق الأولُ في إسلام المرء، لا يقبل دونها منه شيءٌ. وهي فرق ما بين الإيمان والكفر. وقد ضرب الله لها لعظمتها مثلاً بالنخلة، وهي من أكرم الشجر، ولكلمة الكفر بالحنظلة، وهي من أسوء الشجر رائحةً وطعماً.
‌ب. خير قادة القوم من دعاهم إلى الله، وحكّم فيهم منهجه، وعدل فيهم وحنا عليهم، وتواضع لهم. وشرُّهم من تجبّر فيهم واستبد وحكمهم بهواه ولم يقدهم إلى طاعة الله.
‌ج. إنّ الله أغنى الشركاء عن الشرك، فمن أشرك به أحداً وكله إليه ، وعندها لن يجد إلاّ الهوان والخسران والطريق إلى النيران.
‌د. عظمة الأمثال التي يضربها الله للنّاس تعظيماً للخير وأصحابه وتحقيراً للشّر وأتباعه. وهذه العظمة تتجلّى في المثل المضروب شكلاً ومضموناً، فالنّخلة مثال الخير تروّعنا ببسوق ساقها وجمال ثمارها في مراحلها المختلفة، والحنظلة مثال الشّر تُشعِر بازدرائها من سوء شكل انبطاحيّ، وسهولة خلعٍ من جذوعها وأرومتها.