العدد 1413 / 13-5-2020

بقلم : محمد نزّال

ها هو الثلث الأول من عام 2020م ينقضي، وجائحة "كورونا"، ما تزال تلقي بظلالها السلبية على العالم كله، إذ يتصاعد "عدّادُ " الضحايا بشكل مخيف، حيث تجاوز عدد المصابين الثلاثة ملايين، وعدد الموتى زاد عن ربع مليون، وفق الإحصائيات المعلنة، ناهيك عن شبه توقّف للحياة في جميع الدول، التي أصابتها الجائحة.

إننا نعيش منذ مطلع العام الميلادي الجديد، بلا مبالغات، "حربا ضروسا"، يمكن اعتبارها حربا عالمية ثالثة من نوع آخر،لايُسمعفيهاأزيرالرصاص،ولاهديرالطائرات،ولاأصواتالمدافع،ولاانفجاراتالصواريخ،إنهاحربطرفهاالآخر،هوعدوخفيومستتر،لاتراهالعينالمجرّدة،ويتسلّلخلسةوبغته،إلىضحاياهمنالبشر!..هذاالعدو،هومجرّدفيروسمن سلالة (كورونا)، نوع (covid- 19)، ضرب ضربته الأولى في ظروف غامضة حتى الآن، في الصين، ثم امتدت ضرباته إلى معظم دول العالم، التي وصل عددها إلى (176) دولة حتى الآن.

هذه المقالة، لا تستهدف التوقّف عند الجانب العلمي والطبي، الذي له أصحابه من أهل الاختصاص، ولا كيفية مواجهة هذه الجائحة، وهزيمة مسبّبها (الفايروس)، فهي مهمّة أصحاب القرار في الدول، ولكنني أريد التوقّف عند الخطاب الإسلامي الحضاري، الذي ينبغي على الإسلاميين تقديمه في التعامل مع هذه الجائحة، ذلك أن المشروع الإسلامي الحضاري، بحاجة إلى خطاب متقدّم ومستنير، يتضمّن معاني وقيم: الإنسانية، والعدالة، والحرية، والعلمية، والعقلانية،ولعلّهذهالجائحة،تمثّلفرصةذهبية،لتقديمخطابيحقّقهذهالمعاني.

أولا: إنّها آية من آيات الله

يخطئ بعض الإسلاميين، عندما يقدّمون في خطابهم الوعظي، أو الإيماني، أو حتى السياسي، أن هذه الجائحة التي أصابتنا، إنّما هي عقوبة إلهية للبشر،وهذابرأيي،تألٍعلىالله،فلاأحديمكنهالجزمبالمقاصدالربانية،لمايصيبالبشرمنجوائحوأوبئةوأمراض،إلامانصعليهالقرآنالكريموالسنةالنبوية،إذإنهسبحانهوتعالىهوصاحبالأمر،وإذاكانبعضهؤلاء، يشيرون إلى أن هذا الفيروس هو جند من جنود الله، فكيف لهم الجزم بذلك، والله سبحانه وتعالى، يقول في سورة المدثر: {وما يعلم جنود ربك إلا هو}.

إن الخطاب الإسلامي الراشد والمستنير، ينبغي أن يرتكز في رسالته إلى الناس، على أساس متين ومتماسك، في تفسير الظواهر الكونية والبشرية وغيرها، حتى لا تثير إشكالات، يصبح الحديث عنها هو الأساس، ويتم تجاهل الظاهرة نفسها. وأعتقد أن المدخل الصحيح لفهم هذه الجائحة، التي أصابتنا، ينبغي أن يرتكز على أنها آية من آيات الله سبحانه وتعالى،كماجاءفيسورةفصلت: {سنريهمآياتنافيالآفاق وفي أنفسهم حتى يتبيّن لهم أنه الحق}. نعم، إنها آية من آيات الله سبحانه وتعالى، تمثّلت في أحد مخلوقاته (الفيروس)، الذي تمكّن أن يفعل فعله في البشر، فعطلّ حياتهم، وشلّها، وأرغمهم على البقاء في منازلهم، حرصا وخوفا وحذرا... أيُّ آية أعظم من هذه الآية، التي لمس البشر جميعا آثارها في حياتهم وفي أنفسهم؟!!

إنها آية، ينبغي أن تزيدنا نحن معاشر المؤمنين إيمانا بالله سبحانه وتعالى، وقدرته، ومشيئته، كما جاء في سورة المدثر {ويزداد الذين آمنوا إيمانا}، وكما جاء في سورة الأنفال {وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكّلون}.

إن الخطاب الإسلامي الراشد والمستنير، ينبغي أن يرتكز في رسالته إلى الناس، على أساس متين ومتماسك، في تفسير الظواهر الكونية والبشرية وغيرها، حتى لا تثير إشكالات، يصبح الحديث عنها هو الأساس، ويتم تجاهل الظاهرة نفسها

ثانيا: خطاب الشماتة والعنصرية

إن خطاب "الشماتة" بالشعوب، التي أصابتها "الجائحة"، بسبب ديانتها، أو مذهبها، أو عِرقها، أو أي سبب آخر، يعدّ منافيا للحس الإنساني، كما أنه لا مبرّر له أخلاقيا على الإطلاق، خصوصا وأن "الجائحة" أصابت الجميع، ولم تفرّق بين أحد.

كما أن الخطاب الذي رأيناه، في الدعوة إلى طرد الوافدين أو المقيمين في بعض الدول، أو التمييز في التعامل الصحي معهم، يُعدّ خطابا مغرقا في العنصرية والكراهية، ويثير الأحقاد بين البشر.

وعليه، فإن الإسلاميين ينبغي عليهم، تقديم خطاب راق وعميق في إنسانيته، وعليهم التصدّي لأصوات الكراهية، والعنصرية، وعدم لزوم الصمت تجاهها.

إن خطاب "الشماتة" بالشعوب، التي أصابتها "الجائحة"، بسبب ديانتها، أو مذهبها، أو عِرقها، أو أي سبب آخر، يعدّ منافيا للحس الإنساني

ثالثاً: الخطاب "الغيبي" وخطاب الشعوذة

إن الخطاب الوعظي، المغرق في "الغيبيات" والتأويل المتعسّف للنصوص، وليّ أعناقها، لا يخدم الفكرة، ولا المشروع الإسلامي، بل يبدو أقرب إلى الشعوذة والخرافة والدجل،منمثلالحديثعننبوءة(كورونا)،التيوردتفيسورة(المدثر)–علىسبيلالمثاللاالحصر-!..وهوأمر شبيه بالادعاءات التي تصدر في سياق آخر، عن أطباء، أو مشعوذين، يتسابقون لإعلان اكتشافاتهم، لأدوية أو لقاح، لعلاج (الكورونا)، مثل: الفول، والملوخية، والليمون، وغيرها من الأغذية والمشروبات!

رابعاً: الخطاب "الرغائبي"

لا ينبغي التسرّع في الحديث عن بديل، لمرحلة ما بعد "كورونا"، والذي تزايد الحديث عنه كثيراً من قبل مفكرين وسياسيين واقتصاديين وغيرهم، سواء بالتبشير بنهاية "أمريكا"، والغرب عموماً، أو التبشير بوراثة الصين لأمريكا، وهو أمر من السابق لأوانه، الحديث عنه، وبرأيي أنه خطاب "رغائبي"، وليس خطابا علميا ومنهجيا.. إننا جميعا نتمنى زوال ونهاية المشاريع الاستعمارية القائمة على نهب خيرات وثروات الشعوب والدول وإفقارها، ولكن كما يقول الشاعر:

وما نيل المطالب بالتمنّي ولكن تؤخذ الدنيا غلابا

وأخيرا، وليس آخرا، نسأل الله سبحانه وتعالى، أن يرفع عنا البلاء والوباء.