العدد 1356 / 3-4-2019

تميّز الإمام الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله بأسلوب بسيط وميسّر في دعوته إلى الله تعالى، فكان كلامه سهلاً ومفيداً وعميقاً يفهمه الأميّ كما المتعلّم والغني كما الفقير، مما جعله يصل إلى قلوب وعقول الناس بسلاسة ومودة ومحبة، وكل ذلك إنطلاقاً من قول الله تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة}.

وإذا أردنا أن نقف عند خواطر الشيخ الراحل حول معجزة الإسراء والمعراج، نراه يقول بأن المتأمّل الفطن لهذه المعجزة عليه أن ينظر إلى الحوادث الكثيرة التي وقعت قبلها، فقد توفي عمه أبو طالب ثم توفيت زوجه السيدة خديجة رضي الله عنها، وقد كان الاثنان مصدر حماية وعطف وحنان للنبي عليه الصلاة والسلام، ثم كانت بعد ذلك رحلته إلى الطائف والتي أوذي فيها أذىً شديداً على يد زعمائها وسفهائها، فوقف عليه الصلاة والسلام موقف المتضرّع إلى ربه ودعا دعاءه المعروف الذي بدأه بقوله (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلّة حيلتي و..).. بعد كل هذه الأحداث جاءت معجزة الإسراء والمعراج.

إذن هذه الرحلة المباركة، كما يقول شيخنا الراحل، عظيمة الشأن إذ جعلها الله تعالى بعد الدعاء نتيجة لجفاء أهل الأرض لرسوله الكريم فكانت رسالة إلى النبي عليه الصلاة والسلام لتثبت له وتؤكّد ان جفاء أهل الأرض لا يعني ان السماء قد تخلّت عنه، بل ان الله تعالى سيعوّضه عن جفاء الأرض بحفاوة أهل السماء وعن جفاء الناس بحفاوة الملأ الأعلى، بل وسيريه من آياته وقدرته وأسرار كونه ما يكون طاقة وشحنة له، وهذا الأمر درس كبير للأمة الإسلامية إذ ان هذه الحادثة تبيّن ان علينا الأخذ بالأسباب أولاً ثم نرفع أيدينا وندعو الخالق الوهاب سبحانه وتعالى.

لقد أغلق الشيخ الشعراوي رحمه الله بالدليل القاطع الباب أمام المتخاصمين الذين يتجادلون حول إذا ما كان الإسراء والمعراج بالروح فقط أو بالجسد والروح معاً، فقال: ان علينا كمسلمين مؤمنين بالله تعالى الواحد القادر الجبّار أن نرفع هذه المسألة إلى الله تعالى لأنها ليست حدثاً من عند الرسول عليه الصلاة والسلام، لذلك علينا أن نناقش هذا الأمر بالنسبة إلى الله تعالى، فنسأل:هل يقدر الله سبحانه وتعالى على هذا الأمر أم لا يقدر..؟ هل قدرته تحتاج إلى زمان أم لا تحتاج..؟؟ ثم إذا كان الإسراء والمعراج كما يدّعي بعض السطحيين المغرضين مناماً أو حلماً فقط، فهل كان الكفار يجادلون به النبي عليه الصلاة والسلام ويكذبونه.. فهل يحاسب أحد أحداً على حلم أو منام..؟

ان حادثة الإسراء والمعراج تؤكّد لنا أموراً إيمانية كثيرة، ومن هذه الأمور قدسية المسجد الأقصى للمسلمين في كل زمان، مما يعني واجب الدفاع عنه أيضاً في كل زمان، فان كان يعني قدسية ما لقوم موسى وقوم عيسى عليهما السلام فان سيدنا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وسلم لم يأتِ لقوم دون آخرين بل هو للناس كافة فالله تعالى يقول: {وما ارسلناك الا رحمة للعالمين} ولم يقل للعرب أو لقوم آخرين.

لذلك علينا جميعاً أن نسعى لإعادة تصحيح علاقتنا بهذه البقعة المباركة من خلال حسن الالتزام بكتاب الله تعالى وحسن السير على سنّة محمد عليه الصلاة والسلام بقوة إيماننا وإخلاص تبعيتنا له عليه الصلاة والسلام..