العدد 1400 / 12-2-2020

بقلم : هاني بشر

الأزهر هو مؤسسة علمية تعليمية بالمعايير التنظيمية. وبالمعايير التاريخية، فهو كيان تراثي هام يعد أقدم جامعة في العالم بعد جامعة القرويين في المغرب. ووفقا لهذين المعيارين، فإن الخبراء والمختصين من العلماء هم المنوط بهم تقييم وتقويم مناهج البحث والتعليم طبقا لطبيعة الاختصاص الوظيفي. وهو أمر متعارف عليه عالميا وحتى تاريخيا.

ولنا أن نعرف أن السلطان العثماني سليمان القانوني هو الذي طلب أن يكون شيخ الأزهر بالانتخاب من بين العلماء، كشكل من أشكال الاستقلال الذي عرفته المدارس العلمية الإسلامية على مدار تاريخها، والذي لا يؤخذ في الحسبان عند تقييم دورها.

دخل الأزهر في العصر الحديث إلى تاريخ الحركة الوطنية من أوسع الأبواب وأصبح جزءا منها، وهناك دَين سياسي في رقبة حكام مصر تجاه الأزهر لم تستوفه هذه المؤسسة حتى الآن.

ففي الحملة الفرنسية أواخر القرن الثامن عشر مثلا، كان الذين قادوا المقاومة وحملوا لواء الدفاع عن البلاد العباد هم علماء الأزهر، وصولا لثورة 1919 التي كان للأزهر ومشايخه وطلابه دور مجيد فيها. ولا يتسع المقام هنا لذكر كثير من المواقف المشرفة للأزهر منذ ثورة 2011 وخلال السنوات التي تلتها، الأمر الذي يعني أن الأزهر خلال القرون الثلاثة الماضية يسد دائما ثغرة نضالية كبيرة في عالم السياسية؛ كان من المفترض أن يقوم بها السياسيون والأحزاب.

يعني هذا بالتحليل المجرد أن هناك شيئا ما في طبيعة مناهج هذه المؤسسة وميراثها الذي تتوارثه جيلا بعد جيل؛ جعلها لا تقبل الوقوف مكتوفة الأيدي أمام المظالم العامة، وأن لديها استشعارا كامنا بالمسؤولية الاجتماعية والانتماء العميق لمصر وللأمتين العربية والإسلامية. ورغم هذا لم تجد هذه المؤسسة من قبل نظم الحكم السياسية المتعاقبة في مصر سوى نكران الجميل ومحاولات التأميم والتعطيل ومصادرة الأوقاف، أو في أحسن الأحوال عدم التقدير المطلوب.

والتقدير المنشود هنا لا يتعلق فقط بالدور الوطني والتاريخي المهم، وإنما للدور التعليمي أيضا. فطرق البحث الحديثة في العلوم الاجتماعية والإنسانية الغربية لم تصل لمستوى لائق في تدريس الدراسات الإسلامية كما هو معمول به في مناهج الأزهر، الأمر الذي جعل مجال الدراسات الإسلامية في الجامعات الغربية مثلا فيه كثير من الضحالة المعرفية، مما جعله دائما أسير أقسام العلوم الاجتماعية ولا يصل لمستوى كليات اللاهوت المسيحية. وهناك كثير من الشباب المسلم الذي تربى في الغرب وأدرك هذه الحقيقة، فما كان منهم إلى أن ذهبوا للأزهر للحصول على تأسيس علمي عميق في مجال الدراسات الشرعية والفقهية بأقسامها المختلفة.

هذا التأسيس الذي يحظى حامله بتقدير شعبي كبير في الأوساط الإسلامية في الغرب، وتقدير شعبي وسياسي في الدول الآسيوية الإسلامية، ليس من فراغ ولا يرتبط بالسياسية بشكل مباشر، لكنه صقل علمي وشخصي مهم يؤهله لمهام عديدة، منها الممارسة السياسية. فقد كان الرعيل الأول للحركة الوطنية المصرية، ممثلين في شخصيات كسعد زغلول أو مصطفى كامل، كانوا من خريجي الأزهر.

ورغم هذا لم يحظ الأزهر بدعم يليق بأدواره العلمية والوطنية المجيدة، وكان هدفا لسهام النقد ومحاولات الترويض والتطويع تحت ستار التطوير والتحديث. ولم يعترض الأزهر على زحف الجامعات الأهلية وخريجي التعليم غير الأزهري؛ على مختلف مناحي الحياة في مصر خلال العقود الماضية.

لكن من المهم الآن تقديم كشف حساب عما مضى من محاولات تطوير التعليم والمناهج والجامعات وإلى أي مدى وصلت بنا، سواء على مستوى التأهيل العلمي للخريجين، أو على مستوى صقل الشخصيات وتأهيلها للعب أدوار اجتماعية وسياسية في الحياة العامة.