قاسم قصير

شكلت استقالة الرئيس سعد الحريري مفاجأة لجميع الأطراف اللبنانية والإقليمية والدولية، ومن ضمن هذه الأطراف قيادة حزب الله التي لم تكن تتوقع حصول الاستقالة في هذا التوقيت وبهذا الشكل، مع أن الحزب كان على اطلاع على الضغوط التي يتعرض لها الحريري من القيادة السعودية من أجل الوقوف بوجه الحزب وإيران، وأن الوزير السعودي لشؤون الخليج (ثامر السبهان) كان قد طلب من الحريري القيام بهجوم على الحزب والوقوف بوجه سياساته وسياسات إيران، لكن الحريري كان حريصاً على حماية الحكومة والحفاظ على الاستقرار الداخلي، رغم التباين السياسي الكبير بينه وبين الحزب، وخصوصاً على صعيد دور الحزب الخارجي وعلاقته بإيران.
فكيف تعاطت قيادة حزب الله مع استقالة الرئيس سعد الحريري المفاجئة؟ وما هي الخيارات المستقبلية للحزب في مواجهة التطورات الداخلية والخارجية؟
الاستيعاب والهجوم المضاد
حول ما جرى في الأيام الماضية تقول أوساط مطلعة على أجواء حزب الله: رغم المفاجأة الكبرى لاستقالة الرئيس سعد الحريري والحملة القاسية التي قادها ضد الحزب وإيران، فقد حرصت القيادة على التعاطي بهدوء مع الاستقالة والمسارعة للتنسيق والتعاون مع مختلف القيادات اللبنانية من أجل تحديد الموقف المطلوب، وقد سارع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله للإطلالة الإعلامية من أجل تحديد الموقف مما جرى، وقد اتسمت تعليقاته بالهدوء والحرص على طمأنة اللبنانيين ورفض اثارة المخاوف من حروب وتطورات سلبية.
وتضيف الأوساط: لقد جرى الاتفاق بين حزب الله والقيادات اللبنانية على رفض الاستقالة والتركيز على مصير الرئيس سعد الحريري والمطالبة بعودته والتعبير عن التضامن مع عائلته وتيار المستقبل، وعدم بحث أي موضوع قبل العودة، واعتبار أن كل ما يقوله الحريري يتم تحت الضغط، وانه يعبر عن المواقف السعودية وليس عن مواقف الحريري الشخصية.
وقد نجح حزب الله من خلال الخطة التي اعتمدها باستيعاب مفاجأة الاستقالة والتخفيف من انعكاساتها السياسية والشعبية والاقتصادية والامنية، وبعد ذلك ركز حزب الله على خطة الهجوم المضاد من خلال شن حملة على السعودية واتهامها بالعمل للتخطيط لشن حرب على لبنان بالتعاون مع الكيان الصهيوني، وكانت المواقف التي أطلقها السيد حسن نصر الله في احتفال يوم الشهيد مؤشراً مهماً على نجاح الحزب في خطته الاستيعابية والهجومية، وأصبح موضوع مصير الحريري وعودته إلى لبنان يتقدم على كل شيء، ورغم إجراء الحريري للمقابلة التلفزيونية مع الزميلة بولا يعقوبيان للرد على مواقف الحزب والسيد حسن نصر الله، فإن المقابلة لم تحسم الجدل حول وضعه ومصيره.
الخيارات المستقبلية
لكن ما هي الخيارات المستقبلية التي قد يعتمدها حزب الله، سواء عاد الرئيس سعد الحريري عن استقالته أو استمر بها؟ وهل سيقبل الحزب بالشروط التي يطرحها الحريري لعودته؟ وماذا عن المخاوف الأمنية والعسكرية والاقتصادية؟
حول الآفاق والخيارات المستقبلية لحزب الله تجاه التطورات المختلفة، تجيب الأوساط المطلعة على أجواء الحزب: حزب الله غير مستعد لتغيير طبيعة التسوية التي حصلت مع الرئيس سعد الحريري، والتي أدت إلى انتخاب الرئيس العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وعودة الحريري لرئاسة الحكومة، فالأوضاع السياسية لم تتغير والسياسات التي يعتمدها الحزب تجاه الأوضاع الداخلية والخارجية كانت قائمة عندما تولى الحريري رئاسة الحكومة وقد وافق عليها، وهذه الأوضاع مستمرة منذ عدة سنوات، وقد جرى الحفاظ على الاستقرار الداخلي خلالها.
وتضيف الأوساط: قيادة الحزب تنتظر عودة الرئيس سعد الحريري إلى بيروت وتحديد مواقفه لتحديد الموقف النهائي، وان كان الحزب يرفض تشكيل حكومة تكنوقراط أو حكومة حيادية، وهو سيكون شريكاً في أية حكومة مقبلة، والأولوية للحزب هي الحفاظ على الاستقرار الداخلي ومواجهة التحديات المختلفة بالتعاون مع جميع الفرقاء في الداخل والخارج.
وحول المخاوف من حصول تطورات عسكرية أو أمنية أو المزيد من الضغوط الاقتصادية، تجيب الأوساط: حزب الله مستعد لكل الاحتمالات والخيارات، وان كانت قيادة الحزب تستبعد حالياً حصول حرب سعودية أو إسرائيلية على لبنان لعدم توافر الشروط الميدانية، وفي حال حصول أي هجوم فسيواجه بقوة، وأما على صعيد الأوضاع الأمنية فهي تحت السيطرة، وليست هناك مخاوف جدية مع ضرورة الاستمرار في اتخاذ الإجراءات المناسبة لحماية الوضع الأمني.
وأما لجهة الضغوط الاقتصادية وفرض المزيد من العقوبات أو طرد اللبنانيين من الخليج، فإن ذلك يستدعي اتخاذ الخطوات المناسبة لتحصين أوضاع البلد، وحتى الآن الأوضاع تحت السيطرة.
وبالإجمال، فإن قيادة حزب الله تعتبر أن ما حصل شكل خسارة للمملكة السعودية وتيار المستقبل والرئيس سعد الحريري، وأما الحزب فهو -كما تقول مصادره- مطمئن للمستقبل، وهو جاهز لمواجهة كل الخيارات والتطورات المستقبلية.}