في أواسط القرن العشرين أطلق بعض المثقفين الليبراليين في مصر ولبنان حملة باتجاه الكتابة بالعامية بدل الفصحى، وأصدر بعضهم كتباً بالعامية، مصرية أو لبنانية، سواء مؤلفات فكرية بالنثر أو دواوين الشعر. وبدأ أحد الأحزاب في سوريا ولبنان اعتماد كتابة الأرقام بالحرف الأجنبي بدل العربي، مما استدعى حملة مضادة من الأوساط العروبية. وكان أكثر الزعماء العرب تمسكاً بعروبته الزعيم الليبي الراحل معمّر القذافي، الذي قرر منع كتابة أسماء الشركات والمؤسسات -حتى الأجنبية- بالفرنسية أو الانكليزية، انما بالعربية. ومرّت سنوات، لم يعد خلالها أحد يعرف شيئاً عن الشعر العربي الفصيح، فقد تحوّل كله إلى الشعر العامي. أما اللافتات وأسماء المؤسسات والشركات، فقد بات المواطن اللبناني يسافر من بيروت باتجاه طرابلس أو صيدا ولا يكاد يرى لافتة أو اسم مؤسسة أو مقهى باللغة العربية. لكن الاشكالية الأشد مرارة هي أن المثقف اللبناني أو العربي لا يكاد يلامس القلم يده أو يمارس الكتابة على الورق، لأن كل مراسلاته أو ملاحظاته يسجلها بإصبعه على شاشة هاتفه الذكي، ولو كانت بالعربية الفصحى أو العامية لهان الخطب، ولكنها بالانكليزية المطعّمة بعامية.. شامية أو خليجية أو مصرية ركيكة.. فأين هم دعاة الوحدة والقومية العربية هذه الأيام؟!