عبد القادر الأسمر

نفخوا قلبنا بأغنية «تحت السما ما في متل لبنان» وصدقوا أنفسهم بأنهم مميزون عن سائر البشر والدول وكذبوا على حالهم بأنهم تحفة الزمان وأن لا أحد يجاريهم في عبقريتهم «وفهلويتهم» وأسلوب معايشتهم للنكبات والأزمات التي ليس في مقدور شعب آخر البقاء على قيد الحياة لو تعرّض لجزء مما تعرض له شعب لبنان، وهذه طرفة من ضمن الطرائف التي يتميز بها بلدٌ عانى من الحرب الأهلية والاقتتال الدامي بين مكوناته، الذي لم يلبث أن طويت سيرته، عزم اللبنانيون على انتهاج مسيرة التكاذب المشترك التي اعتادوا التشدق بها والادعاء بإخلاص النيات في المواقف المتباينة وكلّ هذا «حديث خرافة يا أم عمرو»، إذ في أول منعطف جديد تتسارع الغرائز الطائفية والمذهبية لتبوّء سدة الأخبار والصحف والنشرات التلفزيونية. ويضع اللبنانيون اليد على الزناد وتطغى قرقعة السلاح على كلّ صوت. ويسارع الحكماء والعقلاء محذّرين من القضاء على هذا البلد زينة الدول وواحة المعذبين في بلادهم وملجأ الأحرار ومأوى المطاردين في بلاد العرب وهذه سمة خاصة بلبنان ندعو بكل جرأة للحفظ عليها.
ولا يشعر اللبنانيون بنعيم بلدهم إلا اذا توجهوا الى أي بلد عربيّ حيث سيتعرّضون للمساءلة والتهم المفبركة الّتي تحثّ اللبنانيين على العودة الى بلادهم والرضى بالقلّة وضآلة المدخول والحرص على صون لبنان من الدخول في أي محور لا يجني منه سوى العبث بهذا النموذج الراقي رغم الأزمات التي يمرّ بها والوضع الاجتماعي المزري الذي يعيشون فيه.
ويأبى اللبنانيون أن تعمد الدولة إلى إقرار «سلسلة الرتب والرواتب» دون أن تشمل المتقاعدين في القوى المسلحة، رغم ما تتكبده الميزانية العامة من زيادة على قيمة السلسلة البالغة 1200 مليار ليرة لبنانية، وهذه مسؤولية الدولة التي تركت لصوص المال والمناقصات والجمارك وصفقات التراضي ومسلسل التعيينات تحت مسميات عدة ليس أقلها كمستشارين للوزراء ومساهمات وزارة الشؤون الاجتماعية لعشرات الجمعيات الّتي يتولّى بعضها عقيلات الرؤساء ما عدا الحريري والميقاتي والتي تذهب هذه المساهمات الى غير الاهداف المعلنة في طلب المساعدات، وكذا الأمر في وزارة الصحة التي تقدّم عشرات المليارات للمستوصفات والجمعيات الصحية بعضها وهمية والأمر نفسه في وزارة الاعلام الّتي حُشر فيها مئات المتعاقدين وبعضهم لم ينل الشهادة الابتدائية. إن هذا لا يحدث إلا في لبنان رغم وجود وزارة مكافحة الفساد.
وأمر خطير آخر يتميز به لبنان على الساحة الأمنية، حيث تُنتَهك سيادة هذا البلد بميليشيات مذهبية تصول وتدور في الأراضي اللبنانية تحت ذريعة محاربة الجماعات الارهابية منتهكة بذلك سيادة بلد يتولى جيشه القيام بمهماته الوطنية والتي انحرفت أحياناً عن أهدافها الأساسية فتُساء معاملة النازحين السوريين الذين عانوا الأمرّين من جرائم الأسد وبراميله المتفجرة والحرب الكيماوية ليواجَهوا في لبنان بمواقف عدائية من قبل أبناء جلدتهم من الموالين للنظام المجرم، وهذا لا يحدث إلا في لبنان. فمتى يستقر هذا البلد ويُحرّم أي سلاح غير شرعي، ويتفاهم مع فئات النازحين لتأمين سلامتهم وسلامة البلد المضيف؟
فهل وعى المسؤولون ورؤساء الأحزاب والتيارات المختلفة مسؤولياتهم في إعادة ترتيب البيت اللبناني، أم أنهم معنيون فقط في معرفة كم نائب سيحظون بناء لقانون الانتخابات الجديد، وماذا سينفع هذا القانون اذا من انفرط عقد لبنان لصالح دويلة «حزب الله» والمشروع الإيراني؟ وهذا ما يتحدثون عنه بكل حسرة وندم ربّما قبل فوات الأوان.}