محمد لطفي

المولد مظهر وتعبير شعبي للاحتفال بشخصٍ ما له قيمة ومكانة دينية أو وليّ من أولياء الله الصالحين، وتنتشر الموالد في مصر في جميع القرى والمدن، وسبق لباحث أن أحصاها بما يقارب مائة مولد في العام، لكنها غير معروفة في الخليج، بل تعتبر من البدع المحرّمة التي يحرّم القيام أو الاحتفال بها.
جالت بخاطري صور الموالد في مصر، وأنا أشاهد وصول ترامب واستقباله في المنطقة، وما سبق زيارته، وما كان أثناءها وما بعدها من صور وكلمات وتعليقات وتحليلات تكفّل بها الإعلام العربي، الذي كان دوره أشبه بـ«دراويش» الموالد الذين يتراقصون ويتمايلون يميناً ويساراً وهم يردّدون اسم صاحب المولد.
جاء ترامب وذهب، واحتفل الرؤساء والزعماء المسلمون وصفقوا له كثيراً، وهو يلقي عليهم دروسه وتعاليمه، ويتحدث عن رؤيته وفلسفته حول الدين، وهم له منصتون، وبحديثه معجبون، والإعلام العربي يرقص نشوان فرحاً، إلى درجة أن وصفه عبد الفتاح السيسي «أنت رجل تفعل المستحيل»، فأجاب بتواضع: «هو ذلك فعلاً». وليّ من أولياء الله الصالحين يصنع المعجزات. نعم حدث ذلك كله. ولكن، يبقى السؤال: ماذا حقّقت زيارة ترامب لأميركا وللعرب وللمسلمين؟
بالنسبة للولايات المتحدة، فقد كانت الزيارة أكثر من رائعة، وحقّقت أكثر مما كان يحلم به ترامب نفسه، بعد أن عقد صفقات لبلده وشركاته بـ 460 مليار دولار، لإنعاش اقتصاد أميركا وتنمية مواردها وتحسين نسبة البطالة، كما استغل ترامب الزيارة في الإشارة الخفية إلى فشل سلفه أوباما ونجاحه هو في الإفراج عن المواطنة الأميركية من أصل مصري التي استمر اعتقالها ثلاث سنوات، وأفرج عنها في عشر دقائق التزاماً بالقاعدة الفقهية المصرية «لا أحد يتدخل في أحكام القضاء».
وبالنسبة إلى العرب، وباعتبارها أمّة الضاد ومولعة بالخطب والعبارات الرنانة، فقد حصدت عبارات إنشائية وجملاً جميلة بليغة كثيرة، ونال العرب (الخليج تحديداً) الكثير منها، وهي التي تندّد بالعدو الإيراني، وتصفه بالصفات الشيطانية، فسعد العرب وفرحوا، ولكن: هل اختلف شيء على أرض الواقع؟ هل توقف دعم إيران للحوثيين؟ هل تنازلت عن دورها في سورية؟ لم ولن يحدث شيء، فقط كلمات.
وأخيراً، بالنسبة إلى العالم الإسلامي، الذي حضر أكثر من خمسين من زعمائه، وبعد كلمة ترامب عن الدين والعقيدة، هل سأله زعيم مسلم واحد عما يحدث للمسلمين في بورما؟ وماذا يسميه؟ هل تجرّأ رئيس وفد مسلم واحد على الحديث عن اضطهاد المسلمين وقتلهم وحرقهم في بورما أو إثيوبيا أو تايلاند؟ هل يعلم أحد من الرؤساء أصلا أنّ المسلمين يضطهدون هناك؟
أخيراً، ففي كل الموالد في مصر هناك ما يعرف بالحمص والحلاوة، وشخصياً، فكثيراً ما أكلت حمص وحلاوة في مولد السيد البدوي في طنطا، فأين ذهب الحمص والحلاوة في مولد ترامب؟ هل أخذه كله صاحب المولد؟
وكل مولد وأنتم طيبون.}