بشير البكر

هذا زمن صفقة القرن الذي سيرى فيه العرب عجائب لم تكن تخطر على بالٍ، في خضم ما يعيشونه من انقسام وتشتت وضياع البوصلة، وانحطاط في السياسة والاقتصاد والثقافة والتعليم، وحروبٍ طائفيةٍ على امتداد منطقة المشرق، من بغداد إلى بيروت وصنعاء. 
صفقة القرن اسم له رنّة وإيقاع، كأن من اخترع المصطلح يريد لنا أن نصدّق أننا نقترب من حلّ كل المصاعب التي استعصت علينا في القرن الماضي، والدخول في قرنٍ جديد لا يشبه ما سبقه، مبني على أسس مختلفة، لا يعاني فيه الناس من مشكلات، ولا تعقيدات في حياتهم، وما عليهم الآن سوى أن يفتحوا الصدور لاستنشاق الهواء الآتي من العصر المقبل، ويستعدوا للأحلام الوردية. 
الفارس الذي سيحقق لهم ذلك قادم من جزيرة العرب، اسمه محمد بن سلمان، أميرٌ ليس كبقية أفراد الأسرة السعودية الحاكمة الذين يتجاوز عددهم عشرة آلاف. 
ينشغل الإعلام السعودي برسم صورة، يظهر فيها السعوديون وهم ينتظرون بفارغ الصبر صعود بن سلمان إلى العرش، كي يسافروا معه نحو الزمن الذي بدأ بوضع أسسه منذ أشهر، وليس عليهم أن يفعلوا شيئاً سوى أن يجهزوا حقائبهم للرحيل إلى عوالم الترفيه التي انطلقت ورشٌ كبيرةٌ لتشييدها في كل مكان من السعودية، وعلى وجه الخصوص قرب الشواطئ الهادئة للبحر الأحمر، حيث تم الإعلان عن مدينة «نيوم»، وسط أجمل تشكيلات الكائنات البحرية، حتى يخيّل للموعودين بالحياة هناك أنهم سوف يعيشون داخل أوكواريوم. 
لا يبدو أن مشاريع ابن سلمان على صلة بالواقع السعودي المعقد، وليست هناك بوادر على أنه عازم على النزول من برجه الذي يعتكف فيه، تاركاً للمستشارين المقربين منه إدارة البلاد. 
شريك ابن سلمان الرئيسي في الأحلام هو الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وهناك مشاريع كثيرة مشتركة بين بلديهما، لا يبدو أن الكفّة فيها راجحة لصالح مصر، على الرغم من التهويش الإعلامي. وتتحدث أوساط مصرية عن صفقات خاصة يبرمها السيسي مع الرياض وأبو ظبي لمصلحته، ولا تنعكس على اقتصاد مصر، ومثال ذلك تقديم ألف كيلومتر مربع من أراضي سيناء هبة لوليّ العهد السعودي، لتُضاف إلى جزيرتي تيران وصنافير اللتين تنازل عنهما السيسي قبل عامين. 
وتذهب الشراكة بين السيسي وبن سلمان نحو تدويل البحر الأحمر، ولذلك ينهمكان، هذه الأيام، من أجل فتح كل الممرات المغلقة أمام إسرائيل، والمفتاح الأساسي لهذا الميدان هو صفقة القرن التي هندسها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وأوكل إلى ابن سلمان تنفيذها. 
البداية والنهاية هي تصفية القضية الفلسطينية والتطبيع مع إسرائيل، ويحاول السيسي وابن سلمان تقديم صفقة القرن على شاكلة رحلة سياحية نحو الضفة الأخرى، تبدأ من قبول القيادة الفلسطينية بها. وهذا يعني، عملياً، التنازل عن إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967، ومن بعد ذلك يتم فتح الطريق لمشروع «نيوم» الذي يعتزم تنفيذه في المنطقة البحرية الواقعة بين سواحل مصر الشرقية والأردن والسعودية، ويتضمن أيضاً مشاركة إسرائيل، ليكون بمثابة تطبيع رسمي للعلاقات بين المملكة وإسرائيل.}