د. صالح النعامي

من المتوقع أن يلقي رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس خلال أيام خطاباً وصف بـ«الشامل» يتناول فيه مستجدات القضية الوطنية في أعقاب قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل والشروع في نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. وعلى الرغم من أن كل مظاهر سلوك السلطة حتى الآن تدل على أن عباس غير معني بالإقدام على أي خطوة حقيقية جادة لمواجهة القرار الأمريكي الخطير، فإنه يؤمل أن يكون رئيس السلطة قد استنتج العبر المطلوبة.
لكن ما يتوجب على عباس إدراكه قبل إلقاء خطابه أنه بدون الخطوة التي أقدم عليها ترامب، فإن مواجهة شاملة بين الشعب الفلسطيني والكيان الصهيوني باتت وشيكة بسبب تعاظم المشروع الاستيطاني والتهويدي الذي يلتهم الضفة الغربية والقدس، في وقت تهاوت فيه كل فرص التوصل لحل سياسي.
إلى جانب ذلك، فإن حكومة اليمين المتطرف التي يتزعمها بنيامين نتن ياهو تسعى للتمايز عمن سبقها من حكومات من خلال مدّ المستوطنين الصهاينة في الضفة الغربية والقدس بكل الأدوات التي تسمح لهم بالتغول على الفلسطينيين، من خلال اقتطاع الأراضي بالقوة الغاشمة.
من هنا، يتوجب على عباس أن يتحوط لحقيقة أن سعي الفلسطينيين في الضفة للحفاظ على الأوضاع الاقتصادية الجيدة نسبياً مقارنة بقطاع غزة لا يمكن أن يحول دون توفر ظروف تسمح باندلاع مواجهة شاملة بفعل تعاظم مظاهر التغول الصهيوني التي تمس الكرامة الوطنية صباحاً ومساء. في الوقت ذاته، فإنه يتوجب على عباس أن يعي دلالات نتائج استطلاعات الرأي التي أجرتها مراكز أبحاث مستقلة مؤخراً، التي دلت على عدم ثقة الغالبية الساحقة من الفلسطينيين في قيادته ورغبتهم في رؤيته خارج مسرح الفعل السياسي.
من هنا، فإن استراتيجية المراوحة في المكان لن تجدي عباس نفعاً. وإن كان بعض المقربين منه يقولون إنه يتجنب الإقدام على خطوات تستفز إسرائيل خشية أن ينتهي به المقام إلى ما انتهى إليه الرئيس الراحل ياسر عرفات من خلال محاصرته في المقاطعة، فإن حرص عباس على أمنه الشخصي لا يبرر إجبار شعبه على التعايش ضمن قواعد المواجهة الحالية المريحة لإسرائيل. فإن كان عباس يضع الحرص على عدم الانتهاء إلى مصير عرفات المشرف اولوية له، فإن عليه أن يقدم استقالته.
وإن أصر عباس على البقاء كرئيس للسلطة، فإن عليه صياغة برنامج عمل وطني للسلطة مغاير تماماً لما هو قائم حالياً. ولا يعني الأمر أن عباس سيكون مطالباً بأن يكون على رأس تحرك عسكري ضدّ إسرائيل، بل إن البرنامج الوطني الجديد يجب أن يستند إلى المزاوجة بين المقاومة الشعبية الحقيقية والنضال السياسي والدبلوماسي ضد الاحتلال. 
ويقترح أن يشمل البرنامج الخطوات التالية:
أولاً: وقف التعاون الأمني مع الاحتلال، حيث إنه لا يعقل أن تواصل السلطة الإسهام في توفير بيئة أمنية تسمح بتعاظم المشروع الاستيطان الصهيوني. وعلى الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة عدم السماح لقوات الاحتلال بالتحرك بحرية في مدن وبلدات ومخيمات الضفة الغربية كما تفعل حالياً.
ثانياً: تشجيع السلطة المقاومة الشعبية والعصيان المدني من خلال دفع الجماهير للتحرك ضد المشروع الاستيطاني شعبياً، مثل قطع الطرق المؤدية للمستوطنات، ووقف سلوك أجهزة السلطة الأمنية القائم على الحيلولة دون مواجهة الجماهير مع قوات الاحتلال والمستوطنين. في الوقت ذاته يتوجب على السلطة أن تشجع الفلسطينيين على وقف التعامل مع الاحتلال وسلطاته وإداراته، وضمن ذلك وقف دفع الضرائب وعدم إطاعة الأوامر العسكرية.
ثالثاً: التحرك في المحافل الدولية من خلال رفع دعاوى بارتكاب جرائم حرب ضد إسرائيل أمام محكمة الجنايات الدولية واستكمال الحصول على عضوية فلسطين في المؤسسات الأممية بهدف استصدار المزيد من القرارات التي تمس بمكانة إسرائيل الدولية وتزيد من التناقض بين الكيان الصهيوني والمجتمع الدولي.
رابعاً: انجاز تطبيق اتفاق المصالحة الوطنية بهدف تعزيز الصف الداخلي لتحسين قدرة الفلسطينيين على تحقيق منجزات في المواجهة الحالية. فمن أسف دلت كل مظاهر سلوك عباس على أن مواجهة شركائه في الوطن هو ما يمثل أهم محاور التناقض التي تحركه.}