عبد القادر الاسمر

أما وقد انتهت جلسات مناقشة البيان الوزاري في مجلس النواب طوال ثلاثة أيام لينال على اثره ثقة معظم النواب، فإنه لا بدّ لنا من قراءة حيثيات التشكيلة الوزارية - وإن جاءت متأخرة بعض الشيء - وكيفية توزيع الحقائب الوزارية على المناطق والكتل النيابية ليتضح لنا حرمان طرابلس والضنية والمنية وعكار حقها بوزارات خدمات تنصف هذه المناطق المحرومة والمزمنة في حرمانها.
ولم يجد أبناء طرابلس أن هذه الحكومة أنصفتهم بمنحها وزيراً واحداً، وهي التي كانت تحصل على أربعة وزراء في الحكومات السابقة، وخاصة في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. وكان من الأجدى أن يعمد الرئيس سعد الحريري الى انصاف طرابلس التي يعتدّ بها ويعتبرها مدينته، فإذا به يتجاهل أمر هذه المدينة ويخصص لها وزارة واحدة للنائب محمد كبارة هي وزارة العمل التي لا تعتبر وزارة خدمات.
إن طرابلس بأسرها تستنكر هذا التجاهل المتعمد لها فيما كانت المداولات لتشكيل هذه الحكومة تراعي مطالب سائر الكتل وتتوخى إرضاءهم وتحقيق طلباتهم بوزارات سيادية ووزارات خدمات  تقاسمها التيار العوني وحزب القوات وكتلة التنمية والتحرير التي يترأسها الرئيس نبيه بري.
لقد انكشفت أهداف هذه الكتل واصرارها على وزارات بعينها لتنال ما تتمناه من وزارات سيادية ووزارات خارجية وحظيت كل كتلة نيابية بما أصرت عليه بعد أن هددت أنها ستنتقل الى صفوف المعارضة أن لم تنل ما تتمسك به ولتسقط بذلك مقولة «بحبك يا لبنان يا وطني» لتصبح «بحبك يا طائفتي ويا منطقتي». ولم يحسب لطرابلس أي حساب، فيما كان بإمكان الرئيس الحريري أن يعزّز مكان طرابلس ومطالبها التي تؤمنها وزارة الخدمات كالاشغال والتربية والطاقة والمياه والشؤون الاجتماعية وغيرها من وزارات الخدمات التي تمنح بعض الحقوق للعاصمة الثانية.
والامر نفسه في عكار التي منحت النائب معين مرعبي وزارة دولة لشؤون النازحين. والطريف في الأمر أن وزيراً عكارياً سيتولى الاهتمام بشؤون النازحين، وكان من الاجدى أن تسمى وزارة شؤون عكار ووزارة للضنية والمنية المحرومتين منصباً وزارياً، وهما اللتان تستحقان مجلس إنماء أسوة بمجلس الجنوب، لكنهما كما في العادة خارج اهتمام الرئيس سعد الحريري إلا في ايام الانتخابات.
إن تمثيل عكار بوزارة ليس لها مكتب ولا هيكلية ادارية ولا موازنة  وهي محسوبة على الرئيس الحريري ولكن لا يعرفها إلا في اثناء التظاهرات والاعتصامات.
أما الوزير العكاري الثاني يعقوب الصراف، فهو غير محسوب على عكار الا ببطاقة الهوية ولا يعتد بوزارة الدفاع وإن كانت سيادية إلا انها لن تجلب المن والسلوى الى عكار.
هذه حال هذه المناطق التي لا تجد من يستقتل إنصافها كما استقتل زعماء الكتل النيابية بالحصول على وزارة خدمات تؤمن لمحازبيهم ومناطقهم وطائفتهم ما يتمنونه من مراكز تحتكر هذه الوزارات.
«برافو» لسمير جعجع الذي حصد أربع وزارات دسمة وللرئيس نبيه بري الذي لم يصوّت للرئيس ميشال عون، ورغم ذلك نال ما تمنّى، والوزير جبران باسيل عرّاب هذه الحكومة، وليحصد التيار العوني ومعه رئيس الجمهورية سبع حقائب وزارية. حتى النائب سليمان فرنجية الذي كان خصم الرئيس ميشال عون، أصرّ على منحه وزارة الاشغال العامة لتنعم زغرتا وقضاؤها بالزفت حتى أعتاب المنازل.
لقد يئس الطرابلسيون من هذه الدولة وحكوماتها، وباتوا على يقين بأنهم خارج اهتمامات المسؤولين، وهم عاتبون على الرئيس سعد الحريري الذي كان يؤمل منه أن يعزز دورها وينصفها إن كان يعتبرها مظلومة ومغيّبة، ولكن ظلم ذوي القربى أشدّ مرارة على النفس من وقع الحسام المهند.