عبد القادر الاسمر

أكرم بها من مناسبة وأنبل بهم من حضور وأجمل بها من معانٍ وعبر وأكبر بها من صورة لطالما اشتاق اليها المسلمون في لبنان بعد طول تشتّت وخواء وحسرة على أنفسهم وهم الذين كانوا يرون بحرقة سائر الطوائف يجتمعون على كلمة واحدة ويفرضون آراءهم في سائر القضايا والمواقف ويرون التحالف المسيحي العوني-القواتي يرسّخ أقدامه في الدولة ومشاريع قوانين مختلفة والتعيينات على مستوى المدراء العامين والمناصب الامنية والقضائية والدبلوماسية ويعملون بكدّ ونشاط على فرض محازبيهم بالتعيينات التي تشمل عشرات المدراء العامين والفئة الأولى.
وأعتقد أن كلّ القرّاء يعلمون عمّا أتحدث وعن أي صورة أدلّ عليها وقد ضمّت كبار الشخصيات الاسلامية السنيّة وقد افتقدوا المرجع الصالح لهم أو أجبروا على التخلي عن الدور الرئيسي الذي يلعبونه منذ دولة الاستقلال ليمارسوا أدواراً ثانوية «كومبارس» لا تليق بحجم هذه الطائفة وعراقتها وتاريخها وحرصها على جمع الشمل في ما بينهم وبين أبناء الوطن الواحد.
ترى هل هناك أروع من القرآن الكريم مناسبة ليلتقي فيها زعماء المسلمين في جلسة افتتاح «مسابقة العزم الدولية لحفظ القرآن الكريم» في جامع محمد الأمين تحدّث فيها راعي الجائزة الرئيس الحكيم نجيب ميقاتي في حضور رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري والرئيسين فؤاد السنيورة وتمام سلام فضلاً عن مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان ومفتي المناطق وأعضاء المجلس الشرعي الاسلامي الاعلى وعدد من سفراء الدول العربية والاسلامية.
وليس أبلغ من كلمة الرئيس ميقاتي الذي توجّه الى الرئيس سعد الحريري بقوله: «لا ولن تكون عداوة بيننا بل اختلاف في المقاربات ولعل في ذلك فائدة للبنانيين» ما يؤكد حكمته وتواضعه وحرصه على مصلحة المسلمين. وبدوره أكّد الرئيس الحريري أنّ «الحرص على الوحدة يجب أن نعمل عليه جميعاً لوحدة اللبنانيين وحماية اللبنانيين» وما أكّده المفتي دريان حين دعا القوى السياسية الى التلاقي والتواصل والتشاور من جل الخير العام وخير الشعب اللبناني ووحدته.
إن المسلمين يتمنون أن يكون هذا الاجتماع باكورة اجتماعات تالية لاستعادة دورهم في الحياة السياسية اللبنانية وفرض حضورهم في الدولة على مستوى القرار الوطني وتمكين الطاقات الشبابية الإسلامية السنية من تولّي المناصب الحسّاسة في الإدارات العامّة والمرفأ والمرافق المختلفة وعدم التهاون في تأكيد قرارهم على الصعد المختلفة وتمتين موقع الرئاسة الثالثة وعدم التهاون بها وتجاوزها. كما تناقلت الانباء عن محاولات تهميش دور الرئيس الحريري لأكثر من قضية، الأمر الّذي استنكره المسلمون في لبنان، وما حرصت القاء التهاني الكلاسيكية على الرئيس الحريري الذي نزل الى ساحة رياض الصلح ليبلغ المتظاهرين بأن سلسلة الرتب والرواتب سوف تُقرّ. وقد ندّد الرئيس ميقاتي والمفتي دريان والوزير محمّد كبّارة والجماعة الاسلامية بهذا التصرّف المسيء للمجتمع المدني والّذي يخلق العداوة بدلاً من التعاون بين المسؤولين والمجتمع المدني.
إنّ المسلمين في لبنان يناشدون قادتهم الاهتمام بالشارع الاسلامي ورعاية شؤونهم والحرص على مطالبهم والتصدّي لمحاولات تهميشهم في القرارات المصيريّة.
إن هذه الصورة الجامعة قد بعثت مشاعر الارتياح لدى المسلمين السنّة الّذين يتمنّون ألّا تكون مجرّد اجتماع بروتوكولي بل بمثابة نقطة انطلاق راسخة وموقف جامع يحقّق ما يصبو اليه المسلمون السنّة بعد طول تشتّت وانقسام.
وعنّا لأمر بعض الّذين يتعنّتون في مواقفهم الغريبة وينسون أنّهم يسيئون الى أنفسهم وهو ما لا نتمنّاه منهم ولم يفرط الأمل بعد لعودتهم الى جادة الصواب والتنازل عن أنانيتهم لصالح الطائفة السنيّة الّتي تحتاج منّا إلى تعزيز دورها وحضورها في الميدان السياسي اللبناني وموقعها على كافة الأصعدة.