عبد القادر الاسمر

تابع اللبنانيون بإعجاب مساء الاثنين الماضي الندوة الصحافية التي عقدها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وشارك فيها رؤساء تحرير ومديرو الأخبار في ثماني محطات تلفزيونية لبنانية وذلك لمناسبة مرور سنة على توليه السلطة، وشكل حدثاً لا سابقة له في الحياة السياسية اللبنانية مع التنويه بـ«المغامرة» التي أقدم عليها الرئيس عون بإجراء اللقاء في بث مباشر كان يمكن أن تعتريه مفاجآت في الشكل والمضمون، ولكن الرئيس عون نجح هذه المرة في ضبط أعصابه على أكثر من سؤال وعمد الى لفلفة الاجابات عن الأسئلة المحرجة التي طاولت صهره جبران باسيل وما يقوم به من تحركات مكوكية على بلاد الاغتراب وجذب اللبنانيين المغتربين الى استعادة جنسيتهم والدور الذي يلعبه في كثير من المواقف التي ينفرد بها على أكثر من صعيد وكأنه رئيس جمهورية الظل لا يأبه للانتقادات التي توجه اليه ما دامت تحظى بتأييد عمه الجنرال عون، ومنها ملف الكهرباء والهدر الذي يسببه هذا الملف، ولا من يحاسب أو يقف في وجهه بحزم.
إلا أنّ الأسئلة التي طرحت لم تخرج عن كونها مطروحة قبل الآن في اجتماعات مجلس الوزراء وفي جلسات المجلس النيابي وفي وسائل الاعلام المختلفة والتي تتركز على ايضاح موقفه من سلاح «حزب الله»، حيث ظهر للعيان ارتباكه والالتفاف على الاجابة مع تأييد ضمني ثم علني لدور «حزب الله» في الساحة السياسية اللبنانية، مكرساً وضع هذا الحزب وسلاحه، في الوقت الذي كان يجدر فيه أن يتحفظ على دور هذا الحزب وميليشياته في «سرايا المقاومة» لجر لبنان الى المحور الايراني، الأمر الذي يخرج فيه عن الاجماع العربي ويعرّض لبنان للانتقاد المرير ويحرجه أمام أشقائه العرب ويضعه على لائحة المحور الايراني.
إننا لا ننكر الانجازات التي طبعت هذا العهد على صعيد تحقيق الاستقرار الأمني، ونجاح الجيش اللبناني في عملية «فجر الجرود» ووضع قانون انتخابي لأول مرة منذ نصف قرن وإقرار سلسلة الرتب والرواتب ، إلّا أن موقفه غامض من محاربة الفساد رغم وجود وزارة له لم تحقق ولو إنجازاً واحداً ليطمئن اللبنانيون الى جدية العهد في ملاحقة المفسدين، فضلاً عن إقراره بالمحاصصة لإجراء تشكيلات قضائية وتعيينات دبلوماسية والمديرين العامين وموظفي الفئة الأولى، التي أتت على مقاس التيار العوني بصورة خاصة. ولقد لعب مدير الجلسة الإعلامي رفيق شلالا دور المنقذ في محطات الاحراج العديدة التي رافقت الأسئلة المباشرة على رأيه في «حزب الله» وإطلاق يد صهره جبران باسيل في مختلف القضايا العامة وتفرده بلقاء وزير الخارجية النظام السوري وليد المعلم خلافاً لرأي الحكومة في النأي بالنفس وعدم الاعتراف بالنظام السوري الذي يبطش بشعبه ويهجر المدنيين ويسجن عشرات الألوف ويفتك بالآمنين بالأسلحة الكيماوية. ولقد تفاوتت أدوار الاعلاميين بين داعم لمواقف الرأي العام ومتحفظ عليه من خلال نوعية الأسئلة التي تفصح عن هوية المحطة التلفزيونية التي يمثلها هذا الإعلامي أو ذاك. ولوحظ أن جدالاً قام بين الإعلاميين أنفسهم في أكثر من موضوع دون الخروج بنتيجة إيجابية من هذا الجدال. إلا أن الجلسة الحوارية لم تلامس في معظم الأسئلة قضايا الناس المهمة، ومنها أزمة البطالة التي يعاني منها شبابنا، وسبل طمأنة العرب على موقف لبنان من التمدد الإيراني، ومحاربة الفساد بجدية مع إقراره بالمحاصصة في التعيينات التي ينال التيار حصة الأسد فيها، الأمر الذي شكك اللبنانيين بنزاهة هذا العهد في كثير من القضايا الحيوية.
ولا بدّ من الاشارة الى عدم نجاح معظم الإعلاميين بفتح أسئلة صريحة وجادة تعبر عن تساؤلات اللبنانيين، ما أدى الى هبوط مستوى هذه الندوة وكأنها لم تحصل ولم تشكّل صدمة إيجابية ولم تحقق الأهداف من عقدها.}