نواف التميمي

مُحزن ومُؤلم جداً ما يجري في مصر. لا سياسة في السياسة، ولا انتخابات في الانتخابات، ولا إعلام في الإعلام، ولا فنّ في الفن، وحتى الثقافة انحدرت في جرفٍ لا قاع له. تهرب من متابعة مسرحية الانتخابات التي لم يعد يَصح أن يُطلق عليها إلا مهزلة البيعة، فيتنطط في وجهك أشباح الإعلام التي تنعق مثل الغربان من كل شاشة، كأن هذا لا يكفي، حتى يصدمك باقي أشلاء الأدباء والكتاب الذين ركبوا الموجة، وانخرطوا في جوقة العازفين للقائد المُلهم. 
في السياسة، وقبل انطلاق «معركة» الانتخابات الرئاسية، يحرص القائد ذو الخبرة العسكرية الطويلة على شل قدرات خصومه، وتطهير الميدان من كل الألغام، وتفكيك كل مراكز التهديد، مهما كبر أو صغر حجمها. مبكراً، جرى تطويق قدرات تنظيم الإخوان المسلمين، بوصفه الخطر الأعظم على الرئيس ونظامه، ثم جرى التخلص من حلفاء الأمس القريب، بوصفهم منافسين محتملين. أحدث ضحايا «الديمقراطية السيسية» الفريق سامي عنان، رئيس أركان الجيش المصري الأسبق، والمرشح الرئاسي الذي تعرض للاختطاف في أثناء توجهه بسيارته إلى مكتبه، وبالتزامن مع إذاعة بيان للجيش، أعلن فيه احتجازه للتحقيق في مخالفات تتعلق بإعلانه الترشح للانتخابات الرئاسية المقرّرة في آذار المقبل. وقبل عنان، لاقى مرشح الرئاسة، الفريق أحمد شفيق، المصير نفسه بعد عودته، أو إعادته، من الإمارات العربية، إذ أجبرته حملة الترهيب والتخويف على إعلان انسحابه، قائلاً إن «مكوثه نحو خمس سنوات في الإمارات ربما أبعده عن المتابعة الدقيقة لما يجري في مصر. وبالتالي لا يرى في نفسه الشخص الأفضل لرئاسة مصر في الفترة المقبلة». أما الضابط في الجيش المصري، العقيد أحمد قنصوة، فقد كلفه إبداء نيّته الترشح للرئاسة السجن ست سنوات مع الشغل والنفاذ، بدعوى «نشر مقطع فيديو يتناول فيه بعض الآراء السياسية، بالمخالفة للتعليمات والأوامر العسكرية»، وهو المقطع الذي أعلن فيه عزمه على الترشح للانتخابات الرئاسية، في مواجهة الرئيس عبد الفتاح السيسي. 
سوف يحفظ التاريخ للرئيس السيسي مهارته «الديمقراطية» بالتخلص من منافسيه في عمر «النيّة بالترشّح»، تماماً كما سيحفظ له معجم اللغة العربية إضافات نوعية كثيرة لم يرق إليها لسان أديب، أو عبقرية مفكر، وكان جديدها قوله إن «المصريين يأكلون الجوع ويشربون العطش» التي أبدعها في مهرجان «حكاية وطن»، التي تُعد تجديداً في البلاغة العربية، على حدّ وصف الروائي، أو على الأصح النائب المعيّن، يوسف القعيد. 
أما كتاب «غينيس» للأرقام القياسية فسيحفظ اسم الرئيس عبد الفتاح السيسي في أكثر من صفحة، وتحت أكثر من لقب، ليس آخرها ما كشف عنه ضمن «حكاية وطن»، عندما قال إن الدولة المصرية أنجزت أحد عشر ألف مشروع على أرض مصر، بمعدل ثلاثة مشروعات في اليوم الواحد، وهو معدل قياسي لأي دولة تريد النهوض. ليس مهماً أن يفهم المتلقي كيف أن أحد عشر ألف مشروع لم تُنقذ الشعب المصري من «أكل الجوع وشُرب العطش»، المهم أن الرئيس العبقري يقول ما يشاء، وكيفما شاء، وعلى الشعب الغلبان بلع البلحة، طوعاً أو بـ«القوة الغاشمة». كيف لا يتصرف الرئيس بكل هذه الديكتاتورية المريحة، وهو يرى ما يرى من جوقات التطبيل والتزمير التي ترفعه إلى منزلة النبي المنزّه، أو المعجزة الإلهية التي منَّ الرب بها على المحروسة وأهلها.. وكيف للسيسي أن يتخلى عن التكليف الرباني، وهو يرى هذه الحشود من الراكعين الخانعين، يرفعون الأكف، داعين للرئيس (النبي) بطول البقاء، لإنقاذ البلاد من شرّ العباد. إعلاميون وكتاب ورجال دين يمدّون الوهم بساطاً أحمر تحت أقدام الرئيس المُخَّلص. مُحزن ومُؤلم جداً ما يجري في مصر. بل هو مُبكٍ عندما تستحضر روح ميدان التحرير في يناير من عام 2011، عندما كانت ساحات الميدان وجنباته تبشر بفجرٍ أجمل للمحروسة مصر.}